بدون التقليل من أهمية الخطوة، وبدون التعويل عليها والتهليل لنتائجها، فقد سجلت زيارة وفد اللجنة المركزية لحركة فتح، إلى قطاع غزة، والاستقبال الرسمي الذي حظي به الوفد من قبل حركة حماس وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق، نائب رئيس الحركة إسماعيل هنية، فهي خطوة تستحق الاحترام من قبل الشعب الفلسطيني نحو الحركتين، أولاً لحركة فتح لقيامها بهذه المبادرة المتأخرة جداً، وثانياً لحركة حماس لأنها استقبلت هذه المبادرة واستجابت لها وسهلت مهمتها، انعكاساً لتطورات سياسية أفشلت برامج وسياسات حركة الإخوان المسلمين وأحبطتها في مصر وسورية وليبيا، وانعكست نتائجها السلبية على حركة حماس لأن الإخوان المسلمين هم المرجعية الحزبية والسياسية والعقائدية لحركة حماس، وبذلك يكون مسار تطبيع العلاقات الفتحاوية الحمساوية، قد سجل نقلة جديدة إلى الأمام، يمكن تتويجها بزيارة عزام الأحمد المرتقبة والتي ستضع العلاقات بين الفصيلين على سكة العمل وصولاً إلى النتائج المطلوبة باتجاه إلغاء مظاهر وإجراءات وخطوات الانقلاب، ليكون جزءاً من الماضي المشين للشعب الفلسطيني، ويتم استبداله بمظاهر إنهاء الانقسام والبدء بخطوات وإجراءات استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية والتي بدونها لن يتحقق العمل الكفاحي المتراكم 1- لاستعادة حقوق شعبنا العربي الفلسطيني الكاملة غير القابلة للتبديد أو التنازل أو النقصان، و2- لن تتحقق الوحدة على المستويات الثلاثة: وحدة البرنامج الوطني، ووحدة المؤسسة التمثيلية، واختيار الأدوات الجهادية المناسبة من عمليات استشهادية أو كفاح مسلح أو انتفاضة مدنية شعبية سلمية أو مفاوضات أو أي منهم أو المزاوجة بين وسيلتين أو أكثر من الأدوات الأربع المذكورة، و3- إحباط أي مشروع، أو أي مسعى، أو أي خطة، أو أي برنامج لا يحقق للشعب العربي الفلسطيني أهدافه الوطنية المتمثلة بعاملين رئيسين هما: أولاً عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المدن والقرى التي طردوا منها العام 1948 واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها وفق القرار الدولي 194، وثانياً انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي المحتلة العام 1967 بما فيها القدس، وإزالة المستوطنات، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق القرار 181.
هذه هي ثوابت الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المجسدة بقراري الأمم المتحدة 194 و181، والباقي والإضافات تفاصيل تدعم هذه الحقوق وتحث على استعادتها، وغير ذلك يتنافى ويتعارض مع قيم الأمم المتحدة وقراراتها، وغير ذلك استجابة المعتدي كي ينال مكافأة اعتدائه بالموافقة على نهبه وسرقته وتطاوله واستعماره لحقوق الآخرين، وهذا ما تفعله إسرائيل بالبشر والممتلكات الفلسطينية حيث تعمل على تهويدها وأسرلتها وصهينتها، بالاستيطان والتوسع وعدم عودة اللاجئين إلى مناطق 48، والنازحين إلى مناطق 67.
زيارة وفد اللجنة المركزية لحركة فتح، خطوة، يجب أن تجد الترحاب والتقدير والتسويق، كي تفتح ثغرة صغيرة كي تكبر، ومن بوابة ضيقة كي تتسع، ومن استئثار بالسلطة تحولاً نحو الجبهة الوطنية، ومن الانفراد نحو توسيع الشراكة، لأن الكل الفلسطيني، ومشروعهم الوطني الديمقراطي الفلسطيني، ما زالوا أضعف من أن يحققوا الانتصار على المشروع الاستعماري التوسعي الصهيوني الإسرائيلي اليهودي، ولذلك أولى خطوات الانتصار هي الوحدة، وثانيها هي الوحدة وثالثها وعاشرها هي الوحدة، والخطوة التالية بعد ذلك، هي اختراق المجتمع الإسرائيلي وكسب انحيازات إسرائيلية لعدالة القضية الفلسطينية ومشروعية نضال شعبها وقانونية إجراءاتهم، وأهمية صمودهم على أرضهم وداخل وطنهم، أما الخطوة الثالثة فهي تعزيز الدعم العربي والإسلامي والدولي لنضال منظمة التحرير وبرنامجها الوطني الديمقراطي وخطواتها العملية الميدانية على الأرض في مناطق 48، ومناطق 67، وفي المنافي والشتات، وفي العملية السياسية داخل المحافل والمؤتمرات والمنظمات والمؤسسات العربية والإسلامية والمسيحية والدولية المختلفة، أسوة بما تم يوم 31/10/2011 في "اليونسكو"، ويوم 29/11/2012 في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
المشاركة في النظام السياسي الفلسطيني، والشراكة من أجل صياغة برنامج وطني ديمقراطي فلسطيني موحد، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير التمثيلية وسلطتها الوطنية على قاعدة الشراكة والإجماع الوطني، والاتفاق على الأدوات الكفاحية المناسبة ولفظ أي عمل كفاحي غير مناسب، قد يكون ضاراً للشعب الفلسطيني ومؤذياً لنضاله، هو المطلوب تحقيقه والعمل من أجله.
لقد سبق للرئيس الراحل ياسر عرفات بعد مفاوضات "كامب ديفيد" الفاشلة العام 2000، أن مد يده لحركة حماس وتحالف معها من أجل تحسين موقعه التفاوضي حينما ظهر له أن سقف التنازلات الإسرائيلية الأميركية لا تصل إلى مستوى الحد الأدنى لتلبية الحقوق الفلسطينية واستعادتها، وكان حصيلة هذا التحالف بين "فتح" و"حماس" الانتفاضة الثانية العام 2000 وتسليم شارون بضرورة ترك قطاع غزة، وتفكيك المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال العام 2005.
وقد أصر الرئيس محمود عباس على إشراك حركة حماس في الانتخابات العام 2006، وحققت الفوز وتجاوب الرئيس مع نتائج هذه الانتخابات التشريعية، فأصبح عبد العزيز الدويك رئيساً للمجلس التشريعي، وكلف إسماعيل هنية باعتباره زعيم الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة، والهدف من توجهات أبو عمار ومن بعده أبو مازن عدم القفز عن الواقع والتعامل معه والاستفادة من معطياته لتعزيز القوة الفلسطينية وتمتين جبهتها الداخلية بالتحالف والوحدة، وتوسيع قاعدة الشراكة، في إطار مؤسسات النظام الفلسطيني سواء عبر منظمة التحرير أو من خلال سلطتها الوطنية، في مواجهة العدو المتفوق: المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.