لا للأمن الخشن!
المتتبع للانتفاضات العربية وتطورها من اعتصامات خفيفة، ومطالب متواضعة، إلى ثورات شديدة، وعصيان مدني، ومطالب كبرت وتضاعفت يوما بعد يوم يرى أنها متشابهة، ويُلاحظ أنّ تضخم هذه الثورات وخروجها عن السيطرة بدأ من نقطة التحوّل من الأمن الناعم إلى الخشن، وتحديدا من أول نقطة دم سالت، فكأنها الشرارة التي أشعلت النار في الهشيم، ومن ثم صعب إطفاؤها، بل استحال؛ فالقاسم المشترك بين الانتفاضات العربية كان: البدء بالاعتصامات السلمية، ثم الاشتباك مع ما سُمي بالبلطجية أو غيرها من المسميات، ثم المظاهرات الحاشدة والغاضبة المطالبة بإصلاح النظام، ثم إسقاطه، ثم محاكمته.
الأمور في الأردن مختلفة من حيث التفاف غالبية الشعب حول قيادتهم الهاشمية، ومطالبهم واضحة؛ ألا وهي محاربة الفساد والمحسوبية، وإيجاد حلول للمشكلة الاقتصادية بعيدا عن جيوبهم المثقوبة، وهي مطالب غير معجزة إذا توافرت الإرادة السياسية الحقّة.
من هنا، فإن الأمل كبير بالحكومة الأردنية، والقوى الأمنية بالتزام الحكمة في تعاملها مع المعتصمين، واستيعاب الغضب الشعبي، ومطالب الناس بحقوق سكتوا عنها لسنين طويلة، ووجدوا الفرصة مواتية لهم الآن في ظل المشهد السياسي الملتهب في أرجاء الوطن العربي من حولهم، لاسيما بسبب الفساد الذي استشرى في أرجاء الوطن وأخباره المتواترة، وغياب العدالة الاجتماعية، وإحساس الناس أن سباتهم الطويل كان السبب في ضياع ممتلكات الوطن، والمنجزات التي صنعوها بعرق جبينهم على مدى سنين طويلة؛ يوم كان الواحد منهم يحصل على الزيادة السنوية بالقطّارة، في حين كانت زيادة الفاسدين بالقنطار، وبدلا من أن تذهب هذه البيوعات لسداد المديونية ذهبت لبطون الفاسدين التي أُتخمت من عرق الأردنيين، ولم تعد أرجاء الوطن قادرة على احتواء أموالهم، فهُرّبت للخارج، والكثير الكثير من المواقف التي خُذل فيها الأردني الصابر على جروحة النازفة.
إزاء هذا كله نحتاج إلى حكمة مضاعفة لاستيعاب الاعتصامات والمظاهرات، والمطالب الكثيرة، لعبور هذه المرحلة الصاخبة من عمر الوطن؛ لنحافظ على ما تبقى منه، ونحميه من الدخول في نفق مظلم لا أحد يعرف نهايته، والأسلوب الأمثل أن تُسرّع الحكومة في عملية الإصلاح، وتجعل المواطنين يلمسون الجدية في ذلك بدلا من زيادة احتقانهم برفع الأسعار، وتحميلهم وزر فشل الحكومات المتعاقبة، ولا بدّ من وضع الحلول المنطقية لمشكلة اللاجئين التي زادت من احتقان الناس بدلا من استمرار الدوران في فلك تشكيل الحكومات البرلمانية، والثقة بها، فلم تعد المعالجة الترقيعية نافعة، ولا تزيين المنجزات الحكومية الزائفة مقبولة، ولا المراهنة على الوقت وهبوط همة الناس ممكنة.