من عيوب العمل العام في بلدنا, عدم الدقة في استخدام المصطلحات والترديد للكثير منها دون الوقوف عند معانيها ودلالاتها واهداف مطلقيها. من ذلك على سبيل المثال, مصطلح الحرس القديم الذي لا يكاد يغيب, حتى يعود للظهور مجدداً في بلدنا, كما نلحظ هذه الايام في خضم الحديث عن انتخابات رئاسة مجلس النواب القادمة, وظهور نزعة عند شريحة من النواب الجدد لابعاد النواب القدامى عن منصة الرئاسة بحجة أنهم من الحرس القديم. والسؤال الذي يطرح نفسه الان:
ما هو معيار الحكم على الشخص بأنه من الحرس القديم؟ وما هي المآخذ على الحرس القديم بشكل عام وليس في مجلس النواب على وجه التحديد؟ وهل هو عدد السنوات التي قضاها الشخص في عمل ما؟
واذا كان الزمن هو المعيار, فأين نذهب بالخبرة والتجربة وتراكم المعرفة؟ وهذه كلها اساس التقدم والتطور لأي مجتمع؟ ولماذا هذا الاصرار على حرمان بلدنا من اهل الخبرة واصحاب التجربة بحجة الخلاص من الحرس القديم؟ ولماذا هذا التنكر للبناة الاوائل لبلدنا الذين استطاعوا رغم قلة الامكانيات وضخامة الانجازات تحقيق الكثير الكثير مما يدخل احياناً في باب المعجزة, خاصة عند المقارنة بين شح الموارد والامكانيات وضخامة الانجازات التي تمت في الاردن؟ فهل تكون مكافأة اصحاب الانجاز التنكر لهم؟ ولماذا هذا التنكر لمبدأ تفاعل الاجيال لنقل التجربة عبر الممارسة ومن خلال تعاون الاجيال؟ ولماذا يريد البعض ان يجتث بلدنا من ماضيه وتعليقه بالهواء بحجة الخلاص من الحرس القديم؟ ثم أليس من مأخذنا على الحكومات ان كلا منها تلغي انجازات التي سبقتها، بدلا من ان تبني على ما أنجزته، مما وضع بلدنا في حلقة مفرغة من البدايات الجديدة مع كل وزارة ووزير جديدين، وهو امر مكلف على الصعيد الاقتصادي.. غير ان كلفته الأكبر على صعيد حرمان الوطن من تراكم الخبرة والتجربة والبناء، فكيف اذا انتقلت هذه العدوى الى السلطة التشريعية؟ ثم لماذا يحكم النواب الجدد على مستقبلهم؟ فبعضهم قد يعود الى المجلس القادم، فهل يقبل بان يحرم من فرصة التنافس على رئاسة المجلس بذريعة انه من الحرس القديم الذي يجب التخلص منه؟
ما نريد ان نقوله: إن المقياس الحقيقي الذي يجب ان نحتكم اليه في اختياراتنا هو القدرة والكفاءات والخبرة والنزاهة، بصرف النظر عن الزمن والعمر، فليس كل قديم غير صالح، مثلما انه ليس كل جديد يعني القدرة والتطور والحداثة، لذلك فإننا نتمنى على مجلس النواب الجديد ان يبدأ مهامه بموضوعية وحيادية وواقعية، بعيدا عن الاحكام المسبقة، وعن الحسابات والطموحات الشخصية وبعيدا عن شراك المصطلحات والرغبة بالمناكفة او خطف اضواء الاعلام. لان ذلك كله سينعكس على مجمل الحياة السياسية في بلدنا وليتذكر نوابنا انهم اكثر من غيرهم الان خضوعا للمراقبة الشعبية، وان ممارساتهم هي التي ستعيد بناء الثقة.. بالسلطة التشريعية او ترسيخ غياب هذه الثقة وهو الامر الذي عانى منه المجلس السابق والاسبق، وكل ذلك مرهون باداء السادة النواب وبمدى احترامهم للقواعد والاصول البرلمانية وللتجربة الوطنية بشكل عام.