نضال منصور: الطريق الثالث للإصلاح في الأردن
ربما أكون مخطئاً لكنني أشعر بأن النظام في الأردن يعيش حالة نشوة بعد الأزمة والصراع الذي يطحن الشارع المصري بعد الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي، والذي توجه زعيماً منفرداً، لا سلطان لأحد غيره في مصر، وهو خارج المساءلة والمراقبة.
وأشعر بأن التيار الديمقراطي في الأردن وقد يكون في العالم العربي يعود خطوة للوراء، ويراجع حساباته في التعامل مع التيارات الإسلامية، ويَعُد للألف قبل أن يقطع شعرة معاوية مع الأنظمة الحاكمة، ويوثق تحالفاته مع قوى الإسلام السياسي وتحديداً الاخوان المسلمين.
وسمعت من أصدقاء أعزاء في مصر نصائح غاضبة بضرورة القبول بالإصلاح الذي يحدثه النظام في الأردن، حتى لو كان محدوداً وتدريجياً، بدلاً من الخروج عليه، والتصادم معه، لأن المستقبل في دولة يقودها الإسلاميون أسوأ بكثير.
وقلقت أكثر وأكثر حين أحسست بأن "انقلاب" مرسي إن جازت التسمية على الذين قادوا الثورة المصرية قبل التحاقهم بها، وعلى سلطة القضاء التي أقسم أمامها، عزز أصواتاً تطالب بالتصدي لما تعتبره مؤامرة على نظام الممانعة "بشار الأسد"، وتحت نفس الحجة، أنظروا ما يفعله الإسلاميون في مصر؟!.
أعتقد أن هذه المتغيرات الإقليمية في بلاد ثورات الربيع العربي، قد زادت من قناعة النظام في الأردن، بأن المسار الذي ينتهجه في خطه الإصلاحي صحيح مائة بالمائة، وبأنه لن يصغي للمزاودين، والمغامرين الذين يرى أنهم يعصفون بالدولة والحكم بمطالبهم.
وتترسخ القناعة أكثر وأكثر، والتعنت يبلغ مداه، حين يدرسون ردود الفعل الشعبية على قرار رفع أسعار المشتقات النفطية، ويجدون أنها أقل من توقعاتهم، وبأنهم بالصرامة والقبضة الأمنية وتحويل نشطاء الحراك إلى محكمة أمن الدولة، قادرون على احتوائها والسيطرة عليها، والمضي آمنين في طريقهم، خاصة في ظل صمت دولي لا يضع الأردن على رأس أولوياته بضرورة إنجاز الإصلاح، بعد تجارب متعثرة للثورات.
هذه المقاربة والاستنتاجات مغرية لمن يقودون إدارة الحكم والتعامل مع الأزمات إلى اختيار المضي في نفس الطريق الذي اتبعوه منذ بدايات العام الماضي وحتى الآن، لا يدققون في ما وراء صبر الشارع الأردني، ولا يبحثون في أسباب الشعارات التي تنال من رأس النظام، ولا يعتبرون من تجارب الشعوب، ولا يغوصون في عمق ما تحت الرماد.
لم تفت الفرصة لاجتراح مسار "الطريق الثالث" للإصلاح بالأردن، فالقوى السياسية والحراك الشعبي ينادي بإصلاح النظام، والعثرات والفشل الذي يحدث هنا وهناك يزيد الإصرار على تجنيب البلاد من الانزلاق إلى الفوضى والصدام والخراب.
وفي الاتجاه الآخر فإنها فرصة تاريخية للنظام لالتقاط الإجماع عليه، والمضي في إصلاح حقيقي لا مناورة فيه، ولا خداع، ولا اتكاء على منظومة دولية تدعمه.
الطريق الثالث للحكم والإصلاح في الأردن معبد الآن، ويمكن عبوره بقوة وجسارة، ولا يحتاج أكثر من حكومة إنقاذ وطني، وتفاهم على قانون انتخاب يحقق العدالة والمشاركة السياسية، ومراجعة لكل السياسات الاقتصادية التي أدت إلى إفقار الناس.
مطالب الأردنيين ليست تعجيزية، ويمكن تحقيقها، فهم يحبون بلدهم، ولا يختلفون على نظامهم.