جاهة خليل

يا إنسان، حكاية سفرك مشوقة فقد قطعتم ربع العالم باربع وعشرين ساعة، يعني أسرع بكثير من مستر فوغ، قال جبر. لا تنسى يا عزيزي بأننا إستعملنا وسائط نقل لم تكن متاحة لفوغ، وإلا لكان لف العالم بثمانين ساعة بدلا من ثمانين يوم. قوم نروّح، القهوجي زهق منّا.

ما هو إلا أسبوع أو أكثر، إتصل بي جبر ليدعوني لحضور جاهة إبنه خليل. آه مين أخذتله، بنت حلال زميلته في الشغل أجاب جبر، وأضاف، راتبه على راتبها بسندو بعض.
لم أكن أعلم عن حياة جبر بعد المدرسة الشيء الكثير، فقلما تحدث عنها ولم أرغب في الإلحاح عليه، وقلت في نفسي بتيجي من حالها. ولكني أذكر بأن جبر كان مُغرم بإنتصار وكانت ساكنة على درج المحكمة القديمة وسمعت أنهم سيعطوها للمحكمة الدستورية، المبنى ... مش إنتصار.

إنتصار كانت جميلة وكانت بيضاء البشرة وشعرها مائل للون الأشقر ولكنه مجعِد أو مثل ما بيسموه كيرلي، وصدقوني بأن عيونها زرقاء. صحيح أن هذه الأوصاف لا تنطبق على أبناء جلدتنا، إلا أني أقول الصدق، هكذا كانت إنتصار وكانت بنات الحارة بتموت منها غيرة وخاصة شهيرة بنت المختار. كانت تكثر المشي على السطح، وانت نازل على البلد من شارع صلاح الدين تلتوي رقبتك وانت تنظر إلى اليمين لتحظى برؤية إنتصار وأخواتها. ويقال، وليس كل ما يقال صحيح بأن أمها كانت على علاقة بكبار المسؤوليين في البلد وأحد هؤلاء أصبح رئيساً للوزراء، والله أعلم.

مسكين جبر، كان يظن أن إنتصار تبتسم له لوحدة، مع إنها كانت تبتسم للطير الطاير، وبالمناسبة، إنتصار تركت المدرسة وإمتهنت التمثيل وما زالت حتى يومنا هذا.
ما علينا، دعونا نعود لجاهة خليل الفطِن إبن جبر الفطِن، لقد كانت الجاهة تقليدية فكل شيء مرتب وأعتقد بأني شاهدت الشيخ مؤمن، أو ممكن أبنه ورث عنه المهنة ... المهم شيخ معمم خارج من الباب الجانبي للقاعة وأنه قد أنهى للتو كتب الكِتاب. أنا ما زلت لا افهم، لماذا تتحرك جاهة من خمسين رجل لطلب يد فتاة، مع أنه الكِتاب مكتوب... يعني حضراتنا تحصيل حاصل وكل شيء مرتب. الحقيقة، تذكرت حكاية شهيرة وكايد، ولكني تمالكت شططي وقلت في نفسي مش ممكن تكون الخطيبة حامل، فجبر نشمي وما بيرضى على نفسه يخلى بالبنت.

إستهل الوجيه الطالب خطبته بالبسملة، وأكمل بالثناء على أهل العروس أصحاب الحسب والنسب وأردف وقال، هالوجوه الكريمة اللي أنا لست بأحسنهم كلفوني بطلب يد إبنكتم دلال ... شده جبر من جيب البنطلون وهمس له: إسمها سعاد ... سعاد، آه آسف، تدارك الطالب، لإبننا خالد. شد أبو جبر بنطال الوجيه مرة أخرى وهمس باذنه: خليل ... خليل يا رجل. تنحنح الوجيه وقال: أعذروني فهذه ثاني طلبة لي هذا اليوم ... إتخربطنا، وجلَ من لا يسهو ... مش هيك يا جماعة. ضحك الجميع متمنين أن ينهي الوجيه مهمته وكرر وقال: إحنا طالبين يد كريمتكم لإبننا، هيك أحسن بدون أسماء حتى لا نخربط، وبجاه الله ما تفشلونا.

طال إنتظار الوجيه العاطي، ووقف وتنحنح وقال: إن أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، وإذا ما فعلتو تكون فساد في الأرض. سكت الجميع وهم عارفين بأن الحديث الشريف يختلف عما قيل ولكنهم سكتوا لترك المركب ماشي. وبالمناسبة الحديث النبوي الشريف ينص على ما يلي: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. وقال الوجيه العاطي: إشربوا قهوتكم وإبشروا للي جيتو فيه. فزّ خليل، يسلّم على الحضور ودارت صحون الكنافة وعلب الببسي والسفن على الحضور. وصل خليل لعندي، وحبحبني على الخدين، قولة الفنان فارس عوض الله يرحمه، وهّم بالإنتقال للتالي. شديته من جيبة البنطلون وقلت له: أنتا عارفني، قال: لا والله، مين الأخ. قلت له، أنا الإنسان صاحب أبوك اللي ... قاطعني وقال، أهلا عمو، هاي أبوي قاعد هناك، سلام ... جيل مستعجل مش عارف ليش.