سلسلة من الأجراءات ، المتتابعة ، المترابطة ، إتخذها رئيس الوزراء عبد الله النسور ، ونفذها مع بعض أعضاء فريقه الوزاري ، تستهدف " تبريد الجو " وخلق بيئة صالحة لإزالة التوتر والأحتقان من قلب المشهد السياسي ، بهدف الوصول إلى تحقيق برنامج الحكومة وفق كتاب التكليف القائم على تنفيذ مهمتين هما :
1- على المستوى السياسي إجراء الأنتخابات النيابية .
2- وعلى المستوى الأقتصادي تنفيذ متطلبات الأتفاق مع صندوق النقد الدولي .
لقد رحلت حكومة فايز الطراونة ، والجو السائد بين طرفي المعادلة الأردنية ، بين الحكومة وبين المعارضة " مكهرب " وقابل للتصعيد ، ولولا تدخلات رأس الدولة جلالة الملك في أكثر من موقف ورد أكثر من إجراء لما سارت الأمور بالهدوء والأتزان التي سارت عليه ، ولذلك عمل رئيس الوزراء منذ اليوم الأول على تسلمه كتاب تكليفه ، عمل على ترطيب الأجواء مع قطبي قوى المعارضة ، الأخوان المسلمين والأحزاب اليسارية والقومية ، بهدف واضح ومحدد ، يتمثل بإزالة الفتيل الصاعق من قلب اللغم القابل للإنفجار في أي لحظة .
لقد أنجز رئيس الوزراء سلسلة من الخطوات الأجرائية المنظمة تمثلت بما يلي :
أولاً : زيارته لخيمة إعتصام الصحفيين والعاملين بالمواقع الألكترونية الذين إعتصموا إحتجاجاً على قانون المطبوعات والنشر ، وقد نجح رئيس الوزراء بإقناع المعتصمين على فك إعتصامهم وإزالة خيمتهم الأحتجاجية ، وقد أفلح في ذلك .
ثانياً : إلتقى مع قادة حركة الأخوان المسلمين ، ومرر لهم كلمات دافئة وتبادل معهم تقييم المشهد السياسي ، وتوصل معهم إلى تفاهم متبادل يقوم على عدم التصعيد ، وقد نجح في ذلك لسببين :
أولهما : نجاح مسيرة حركة الأخوان المسلمين يوم الخامس من تشرين الأول ، والتي شكلت ذروة الحراك الأخواني وذروة التفاهم مع أجهزة الأمن ، وإنعكس ذلك على مواصفاتها التي إتسمت بالهدوء والإتزان ، وهذا يعود لقرار سياسي وإجرائي مشترك ، تم تنفيذه من قبل الطرفين ، من طرف الأجهزة الأمنية التي رعت المسيرة وحمتها ، ومن طرف الأخوان المسلمين الذين ضبطوا المسيرة وشعاراتها بما لا يتجاوز السقف القانوني المسموح به .
وثانيهما : فشل الأخوان المسلمين في توسيع شبكة الحراك ليشمل الأحزاب اليسارية والقومية والنقابات المهنية والشخصيات والمستقلة ، التي رفضت التصعيد ، ورفض الأطراف الثلاثة ( الأحزاب اليسارية والقومية والنقابات المهنية والشخصيات المستقلة ) ، لدوافع المسيرة ، وإحجامهم عن المشاركة بها ، مما أربك الأخوان المسلمين وجعلهم منفردين سياسياً ، وأضعفهم ، في مواجهة الحكومة .
ثالثا : إطلاق سراح الموقوفين 17 ، تنفيذاً لطلب الأحزاب اليسارية والقومية ، والوصول معها إلى منتصف الطريق ، وقد أكملت حكومة النسور المشوار الذي بدأته حكومة الطراونة في الحوار مع الأحزاب القومية واليسارية ، في أكثر من لقاء وأكثر من جلسة عمل ، وقد أثمرت على تحقيق الأفراج عن الموقوفين ، ومقابل ذلك ، أسفرت عن تحقيق خطوة جوهرية ستقدم عليها الأحزاب اليسارية والقومية ، وتتمثل بتحركها من محطة موقف " لا مشاركة ، لا مقاطعة " للإنتخابات النيابية ، إلى موقف مستجد ستعلنه الأحزاب اليسارية والقومية ، خلال الأيام القليلة المقبلة ، بإتجاه موقف محدد يتمثل بالمشاركة أو المقاطعة .
الأفراج عن الموقوفين ، تم بفعل وساطات ثنائية ، متقطعة ومستمرة ، ما بين قادة أحزاب المعارضة القومية واليسارية من جهة ، والوزراء غالب الزعبي وزير الداخلية السابق وزير العدل الحالي ، ووجيه عزايزة وزير التنمية الأجتماعية ، ودخل على الخط بسام حدادين ، الوزير المستجد من مجلس النواب ، حيث نشط بهذا المجال ، وأمسك بالملف ليس فقط بإعتباره أحد الملفات المعنية بها وزارته ، بل بسبب خلفيته وصلته العملية مع قطاع اليساريين والقوميين .
في لقاء د . عبد الله النسور عشية تسلمه كتاب التكليف مع قادة الأحزاب اليسارية والقومية ، كانت المطالبة بالأفراج عن الموقوفين في صلب العناوين التي تم بحثها ، ووعد بالتدخل لأجلها ، وعمل على تحقيقها ، ونفذ ما وعد ، ولدى إستقباله للموقوفين المفرج عنهم لم يتردد على القول أنه تدخل لدى جلالة الملك ، الذي أمر بالأفراج عنهم وفق الأجراءات القانونية ، وبذلك أنجز مهمة ، وأزال عقبة من أمام القوى اليسارية والقومية ، كانت تعترض طريقهم للتقدم نحو إتخاذ قرار المشاركة بالإنتخابات النيابية ، وعلى الأرجح أن القرار الحزبي لدى التحالف القومي اليساري يسير بإتجاه المشاركة .
خطوات الرئيس مع الصحفيين ، ومع الأخوان المسلمين ، ومع الأحزاب اليسارية والقومية وإطلاق سراح الموقوفين ، وغيرها من النشاطات والفعاليات ، بهدف تقليص الفجوة وخلق بيئة مناسبة ، نجحت في تبريد الجو المكهرب ، لأن إستحقاقات الخطوة المقبلة تحتاج إلى مزيد من التفاهم الأردني ، بين الطرفين ، بين الحكومة وبين المعارضة ، ولا أقول الأتفاق ، بل التفاهم ، على أرضية أن يفهم كل طرف ظروف ومتطلبات الطرف الأخر ، والأستحقاقات المطلوبة بل والمفروضة ، سياسياً وإقتصادياً .
الحكومة ستنفذ ما هو مطلوب منها ، وهي تدرك ذلك وتعيه ، ولا تستطيع إلا الإلتزام به ، والمعارضة لن تتزحزح عن معارضتها ، ولكن على أن تكون في إطار التفاهم ، وبعيداً عن التصعيد غير المربح وغير المريح ، والذي قد يفرض خسارته وأذاه على الجميع .