أظن أن الشعب الأردني في هذه الأيام وصلت به الأمور السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية إلى نقطة اللاوعي، واللااستقرار، واللاأمن، واللافهم، واللاإدراك، واللاعيش ، وحين نقول الشعب الأردني نقصد بذلك فقط الغالبية المسحوقة، وليست الأقلية الساحقة .
منذ رمضان والشعب الأردني الذي نقصده يضع يده على قلبه خوفاً من القادم المظلم ، خوفاً من ارتفاع كل شيء وانخفاضه هو، خوفاً من غلاء كل شيء ورخصه هو، خوفاً من حياة كل شيء وموته هو ، وهو يعلم أن ضربات الحكومة على أمثاله كلها على غفلة ، وكان أخرها – كف على غفله – بقرار رفع أسعار البترول رغم انخفاضها عالمياً ، لقد رفعت الحكومة الأسعار وكأنها تريد أن تقول للشعب الذي نقصده نحن هنا ، ونحن أصحاب القرار ، ونحن من يملك كل شيء ، لكنها فوجئت – بصفعة على غفله – من صاحب القرار الحقيقي جلالة الملك لا خوفاً من الشعب ، ولكن خوفاً على الشعب .
منذ رمضان ، ونحن في حيرة ، ننتظر الأسوء من الحكومة التي تقف بعيدة عن الشعب ، وتلتحف بأصحاب البدلات الايطالية الصنع ، نعم كنا ننتظر ما سوف تقوم به الحكومة ضد مقدرات عيشنا حتى جاءت ضربتها في هجمة شرسة وغير مبررة لإزالة البسطات من الشوارع ، وافتعلت صداماً مع الشعب الذي نقصده وكأنها بذلك حررت الوطن من الفوضى والفساد، حررت الوطن من مناظر تراها مقرفة ومقززة ، حررت الوطن من رائحة العرق التي تفوح من أجساد أصحاب البسطات ، وهي تعلم تمام العلم بأن أصحاب البسطات الذين يبلغ تعدادهم عشرات الآلاف هم يُعيلون مئات الآلاف من أفراد عائلاتهم والذين قد نسيتهم الحكومة تماماً ، ولم تقدم لهم يوماً من الخدمات ما يحتاجونه ، فعلت ذلك بضربة واحدة في جميع مدن المملكة وهكذا أزالت جيوب الفقر كما تظن ، ولا أعتقد أن للفقر جيوبا .
كان الأولى بالحكومة أن تنبه أولاً ، وتُعطي فرصة كافية لتصويب الأوضاع ، والفرصة الكافية تُعني إنذار أول ، وثاني وثالث، وخلال هذه الفرصة الكافية تكون الحكومة قد أعدت البديل المناسب أيضاً والذي لا يؤثر على مصادر الرزق للناس ، وهذا ما تفعله الحكومات العاقلة ، الحكومات التي يهمها أمر شعبها ، والذي حدث عندنا كان ارتجالياً دون تنبيه ، ودون فرصة ، ودون وضع البديل المسبق ، كان على الحكومة أن تدرس وتخطط كما تفعل الحكومات العاقلة ، وعندنا كان الأمر دون دراسة مسبقة ولا أقول اعتباطياً حتى بالتنفيذ ، وهنا أتذكر أن ثورة تونس قامت بصرخة بوعزيرة عندما حاولوا أن يحرموه عربته وبسطته ، فأين العقلاء الذين يهمهم أمر الشعب .
لقد كان قرار سيد البلاد حاسماً ومانعاً بالنسبة للبترول ، أما بالنسبة للبسطات فنحن ننتظر التصويب من الحكومة وحدها التي ابتعدت كثيراً عن الشعب ، وأن لا تفكر في قطع الأرزاق الذي هو من قطع الأعناق ، وقديماً قالوا في الأمثال ( إذا بدك تخوف الصغير اضرب الكبير ) وعندنا إذا أردت أن يشبع الكبير جوّع الصغير ، وإذا أردت أن يفجر الكبير فأغلق فم الصغير ، حقيقة الأمر فيه دهشة ، لكنها ليست دهشة الشعر أو الفن إنها دهشة تشبه كثيراً كثيراً صرخة بوعزيزي.
وأخيراً همسة موجعة للحكومة إذا كان ما تقومون به هو من شروط البنك الدولي وهذا سبب مقنع فأسأل من أوصلنا إلى شروط البنك الدولي ؟ ومن أجبرنا على الإستدانة ؟ وما هي آخر أخبار محاسبة الفاسدين ، وهل توقف الفساد والحمد لله ولم يبق إلا فساد البسطات ؟؟ وشكراً