آثار سلبية محتملة على سوق العمل بعد وقف إعفاءات السوريين
فريق مكافحة الإرهاب المائي يحصد لقب “المحارب المائي” في ختام منافسات الكتيبة الخاصة/71
عشيرة أبو سنيمة تنشر صور أبنائها الذين قتلوا أبو شباب - بيان
(خضرجي) يقتل أجيره في الأزرق .. جريمة مروعة وقعت صباح اليوم - تفاصيل
تعديل المرحلة الثانية من خطة ترمب .. هل ينقذ وقف النار بغزة؟
البكار : 6 آلاف عاملة هربت من منازل الأردنيين
الأردن .. القضاة: 284 ألف زائر لمهرجان الزيتون الوطني حتى الخميس
يديعوت: مقتل ياسر أبو شباب بضرب مبرح من عناصر داخل عصابته
الاستراتيجيات الأردني يصدر تقريراً عن فرص الاستثمار في الاقتصادات الآسيوية
زعيم الطائفة الدرزية في (إسرائيل) ينتقد حماية ترمب للشرع
النشامى يترقبون قرعة كأس العالم 2026 في أول مشاركة تاريخية للمونديال
قصف إسرائيلي على ريفي درعا والقنيطرة في سورية
نقيب المقاولين: طرح الثقة بمجلس النقابة "غير قانوني" في اجتماع السبت
هيئة النزاهة: استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد
الرئيس اللبناني: هدف المحادثات مع إسرائيل تجنب شبح حرب ثانية
أسعار الغاز الطبيعي تصل إلى أعلى مستوياتها في ثلاث سنوات
من السجن إلى الملعب .. لاعب برازيلي يخوض النهائي بسوار المراقبة
ميدالية برونزية لمنتخب التايكواندو في بطولة العالم تحت 21 عاما
الأرصاد العالمية: 2024 العام الأكثر حرارة في الوطن العربي
زاد الاردن الاخباري -
لم يكن مع بزوغ الفجر ما يوقظ الصغيرة رنا ذات الأعوام الستة سوى ارتجافات بيتها القديم في حي الزيتون، حيث ظلت الطائرات الإسرائيلية تحوم طوال الليل وتلقي حممها على الطرقات والمنازل القريبة. حملها والدها، خالد عبد الهادي (38 عاماً)، بين ذراعيه مذعوراً، فيما كانت والدتها تسحب حقيبة ملابس صغيرة أعدتها مسبقاً «تحسباً للأسوأ». بدا البيت، الذي لطالما احتضن العائلة، وكأنه يهتز مودعاً ساكنيه، بينما تتناثر أصوات الانفجارات من كل صوب.
رحلة البحث عن مأوى
توجه خالد وأسرته إلى الطريق العام المؤدي غرباً، وهناك اكتشف أنه ليس وحده، بل عشرات العائلات تصطف متجهة نحو الساحل. الأطفال يصرخون، النساء يحملن أوعية ماء أو قطع خبز، والرجال يتناوبون على دفع عربات صغيرة محملة بما تيسّر من أمتعة.
«القدس العربي» تروي رحلة عائلة خالد – كما يحكيها الأب الغزّي – والعائلات الأخرى، وهي أشبه بموكب طويل من الألم، لا يعرف أحد إلى أين يمضي.
حين بلغ خالد شاطئ بحر غزة، وجد مئات النازحين قد افترشوا الرمال. بعضهم نصب خياماً بدائية من أغطية مهترئة، والبعض الآخر اكتفى بالجلوس فوق الأرض في انتظار «معجزة» تأتي من السماء. حاول خالد أن يهدئ من روع ابنته، لكن أسئلتها اخترقت قلبه: «أبي، متى نعود إلى بيتنا؟ هل ستتوقف الطائرات عن الضرب؟». لم يجد سوى الصمت جواباً، فهو لا يملك يقيناً عن الغد.
ومع الازدحام الشديد على الساحل، قرر خالد أن يواصل رحلته جنوباً علّه يجد مكاناً أقل اكتظاظاً. كان عليه أن يقطع الطريق إلى خان يونس، وهناك اصطدم بحقيقة أن آلاف العائلات قد سبقته إلى المنطقة ذاتها، فامتلأت المدارس والساحات والمواصي الساحلية بجموع النازحين الباحثين عن مأوى.
نزوح إلى العراء
لم يكن نزوح أسرة خالد سوى جزء من مشهد أكبر، إذ غادرت عشرات العائلات أحياء الزيتون والتفاح والصبرة بعد ليلة ثقيلة من القصف المتواصل. شوهدت قوافل بشرية تسير على أقدامها أو تستقل مركبات قديمة وعربات تجرها الحمير. كل عربة بدت كأنها تختزل حياة كاملة؛ فوقها حقائب وأوانٍ وأطفال يلوحون بأيديهم البريئة وكأنهم يودعون مدينة تخلّت عن أمانها.
على الطرق المؤدية من غزة شمالاً وشرقاً، كانت الدبابات الإسرائيلية تواصل قصفها، مدمرة بيوتاً وطرقات، ما جعل خيار البقاء في المدينة محفوفاً بالموت. ومع أن النزوح لم يوفر أماناً حقيقياً، إلا أن كثيرين رأوه «الملاذ الأقل خطراً». وحسب شهود عيان لـ»القدس العربي»، فإن موجات النزوح امتدت إلى مناطق وسط القطاع وجنوبه، خصوصاً إلى خان يونس والمواصي الساحلية، التي تحولت إلى مخيمات كبيرة للنازحين، حيث نام بعضهم في العراء.
في تلك المشاهد، كان الارتباك سيد الموقف؛ نساء يصرخن خوفاً من فقدان أبنائهن وسط الزحام، ورجال يحاولون الحفاظ على ما تبقى من متاعهم، فيما تتعالى أصوات القصف من خلفهم. لم يكن أحد يعرف إن كان سينجو من الطريق أم يقع ضحية غارة مفاجئة.
تقديرات محلية تشير إلى أن آلاف السكان نزحوا خلال يوم واحد فقط، ليضافوا إلى مئات الآلاف الذين سبقوهم. ومع تراكم الأعداد، أصبح الجنوب يئن تحت ضغط غير مسبوق، فالملاجئ والمدارس لم تعد تتسع، والشوارع تحولت إلى مساحات للنوم والانتظار.
«كأنها زلازل»
ومن النازحين، كان إسماعيل حمادة (40 عاماً) يقف بجوار عائلته المكونة من سبعة أفراد على أطراف الطريق الساحلي. يقول: «ما عشناه في حي التفاح لا يصدق، الانفجارات كانت كأنها زلازل. لم نتمكن من النوم لحظة واحدة. الطائرات لا تغادر السماء، والدبابات لا تكف عن إطلاق النار. هم يريدون أن يخيفوا الناس ويدفعوهم للخروج من بيوتهم».إسماعيل كان يحمل في يده حقيبة مدرسية قديمة يضع فيها أوراقه الشخصية وبعض النقود، بينما تمسكت زوجته بوعاء بلاستيكي مليء بالماء. يضيف لـ»القدس العربي»: «خرجنا بملابسنا فقط، لم نستطع أن نحمل شيئاً من البيت. كان همّنا الوحيد أن ننجو بأطفالنا».ويصف إسماعيل مشهد النزوح قائلاً: «كل الطرق مليئة بالناس، سيارات وعربات وأشخاص يمشون على أقدامهم. كأنها هجرة جماعية. كبار السن يسيرون بصعوبة، والمرضى بلا دواء. كل واحد يبحث عن مكان يختبئ فيه من الموت».
ورغم مرارة الواقع، يؤكد إسماعيل أن العودة إلى منزله لم تعد خياراً ممكناً: «حتى لو توقف القصف اليوم، لا أستطيع العودة. البيت صار خطراً، والجيش قد يدخل الحي في أي لحظة. نحن عالقون بين الخوف والجوع، لا نعرف إلى أين المصير».
18 كيلومتراً على الأقدام
من بين النازحين أيضاً، يروي محمد العزب (33 عاماً) تفاصيل رحلته القاسية من حي الزيتون في مدينة غزة حتى منطقة المواصي جنوب خان يونس. يقول: «حين بدأ القصف يشتد في ساعات الليل، حملت أطفالي الثلاثة وخرجت مع زوجتي. لم يكن أمامنا سوى الطريق الساحلي، رغم أننا كنا نعلم أنه طويل ومرهق».
قطع محمد وأسرته نحو ثمانية عشر كيلومتراً سيراً على الأقدام، بعدما تعطلت المركبات القليلة التي حاولوا الصعود إليها، بسبب نفاد الوقود أو ازدحام الناس عليها. يضيف لـ»القدس العربي»: «سرنا بمحاذاة البحر ساعات طويلة، كانت أصوات الطائرات تلاحقنا من الأعلى، وفي كل مرة كنا نظن أن الصواريخ ستسقط فوقنا. الأطفال كانوا يبكون من الخوف والتعب، لكننا واصلنا الطريق».
وعند وصوله إلى مشارف خان يونس، وجد محمد آلاف العائلات متجهة نحو المواصي، حيث تحولت المنطقة الساحلية إلى مخيم هائل من الخيام والبطانيات الممزقة. يقول: «ظننت أن الوصول سيكون راحة، لكن الحقيقة أن المعاناة بدأت من جديد. المكان مكتظ بالناس، والماء قليل، والطعام شحيح. حتى النوم لم يعد ممكناً وسط هذا الضجيج وهذه الكثافة البشرية».ويختم محمد حديثه بحرقة: «لم أتخيل يوماً أنني سأمشي كل هذه المسافة لأهرب من مدينتي. كل خطوة شعرت فيها أنني أفقد جزءاً من حياتي، من بيتي، من ذكرياتي. لكن ماذا نفعل؟ الهروب من الموت صار قدراً لا مفر منه».
«لا مكان لنا»
أما أم أحمد الغرّة (55 عاماً)، فقد جلست مع حفيدتها على جانب الطريق المؤدي إلى المواصي، متعبة من المسير الطويل. تقول: «تركنا بيتنا في حي الصبرة بعد أن سقط صاروخ على المنزل المجاور. خرجنا نركض بلا وجهة. لم أستطع أن آخذ شيئاً سوى صورة ابني الشهيد».
كانت الدموع تنهمر من عينيها وهي تروي لـ»القدس العربي»: «نحن نعيش هذه المأساة منذ أشهر، ولكن هذه الليلة كانت الأشد. لم يكن هناك مكان آمن في غزة كلها. حتى الساحل امتلأ بالناس، فلم نجد مكاناً نرتاح فيه».تصف أم أحمد معاناتها بعد وصولها إلى خان يونس: «كل مكان مكتظ، المدارس مليئة، والشوارع كذلك. أين نذهب؟ لا طعام كافياً ولا ماء، والأطفال يصرخون من العطش والجوع. أشعر أن لا مكان لنا على هذه الأرض».
وتضيف بصوت متهدج: «لسنا غرباء عن مدينتنا، لكنها صارت تطردنا. نحن نريد فقط أن نعيش بسلام. كم مرة سنهجر من بيوتنا؟ إلى متى سنظل نحمل على أكتافنا خيامنا وذكرياتنا؟».
مشاهد نزوح العائلات من مدينة غزة ليست سوى امتداد لمأساة متواصلة منذ شهور. فالقصف الإسرائيلي المتواصل على الأحياء الشمالية والشرقية دمّر المنازل والطرقات، ودفع الأهالي إلى الفرار نحو المجهول. وفيما تقول «وزارة الصحة» إن أكثر من 34 مدنياً قُتلوا خلال الليلة الماضية، يتزايد عدد النازحين يوماً بعد يوم حتى باتت غزة بأكملها أشبه بخيمة كبيرة للشتات.
وعلى الرغم من الإدانات الدولية، تواصل إسرائيل التحضير لاجتياح بري جديد، واصفة مدينة غزة أنها «آخر حصون المقاومة». هذا التهديد يدفع العائلات إلى النزوح قبل وقوع الاجتياح، في محاولة للنجاة من مصير مجهول. لكن مع ضيق المساحات في الجنوب، تتفاقم الأزمة الإنسانية، ليجد الفلسطينيون أنفسهم عالقين بين نار القصف وعذاب النزوح.