يعتبر الفقر حالة ثقافية واجتماعية وفكرية، و ليس وضعًا ماديًا وحسب، وهو الفقر في الأفكار المؤدية بدورها إلى فقر في الحياة والإنتاج ، ونحن لا نحاول ان نحمد الفقر والعوز، ولكن نؤكد على ان الفقر لا ينحصر بالجانب المادي او الاقتصادي فحسب ، بل يؤثر على جميع عناصر قوة الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و الامنية والادارية... وغيرها . وهناك اخطر من ذلك وهو الفقر في الروح والفكر . فالفقر الحقيقي هو ذلك القابع في الرؤوس، المتمكن من القلوب، الواقف كسد بين صاحبه وآفاق الحياة المتسعة غير المحدودة . ان محدودية الأفق وضيق الفكر وفرض قيود وهمية على الإبداع والابتكار. هو الفقر الفكري الاخطر . لأنها تتسرب وتتوغل وتتمكن من أصحابها ،وتنتقل إلى ذويهم لتصبح أمراضاً اجتماعية مستعصية شديدة العدوى.
والفقر الفكري من أكثر الظواهر ، التي تؤرّق المجتمعات جميعها، وهو ليست ظاهرة، بل أصبح تحد ، لا يمكن الفرار منه في ظلّ الكوارث المتعددة . وفي مقدمتها جائحة كورونا والاستغلال السلبي للتطور التكنولوجي. الذي اصبح بعض الاشخاص من خلالها عبارة عن محطة وقناة اعلامية متحركة وعابرة للحدود، يحلل ويفسر وينشر ما يحلو له ، ضمن هواه والجهة الداعمة له. وبات الفقر الفكري أكبر وأخطر بكثير من الفقر المادي، إذ يمكن للفقر الماديّ أن يُحلّ، و لكن الفقر الفكري هو السبب في المصائب و الويلات التي تحصل يومياً، وكذلك هو السبب في تفشّي العقول المريضة والتي لا تعرف معنى المنطق والحياة. حيث بات لابد من زرع التوعية في النفوس ، لمواجهة هذا الخطر الذي يشوه الحقائق ويحرفها عن تحقيق اهدافها المرسومة .
وهناك بعض البلاد العربية وغيرها تملك كل مقومات الثروة ولا تستطيع استثمارها، وخاصة عندما تملك الموارد الطبيعية والبشرية والموقع الجغرافي الاستراتيجي، لتظل تعيش في دائرة مفرغة من تبديد مواردها . ولابد من وجود اسباب لهذه الظاهرة والتي تنتجها وتبقيها . وقد يكون الجواب هو " الفقر الفكري " الذي يعزز صنمية الفكرو يصنع الإرهاب والحروب الطائفية ويفتت المجتمعات ، و هذا يؤدي الى إعادة التفكك والقضاء على كل مقومات الدولة العصرية.وهذا الفكر الذي يشكل تحدي لبعض البلدان ، ويفقد اجيال المستقبل الأمل في مستقبلها .
وفي النهاية : ان للفقر الفكري دور اساسي ، في تشويه الحقائق وعرقلة التنمية الشاملة .ووضع التحديات امام الخطط الاستراتيجية ، بحيث لا يمكن للمؤسسة من تحقيق اهدافها . وقد يتطور الى اغتيال سمعة بعض الشخصيات التي تسعى الى الاصلاح ،وقد يكون بعض اصحاب الفكر الصنمي او محدودي التفكير، لدية اجندة خارجية تسعى الى اعاقة عمليات الاصلاح في مؤسساتها ، من خلال تصيد الاخطاء، او وضع العصى في الدولاب لتحد من انجاز الاهداف التي تم التخطيط لها.
اعداد الدكتور مفلح الزيدانين
متخصص في التخطيط الاستراتيجي وادارة الموارد البشرية