لن ندخل هنا في جدلية الجنة والحور العين وبقية مصطلحات الأخوة التيارين الاسلاميين المنادين بتطبيق احكام مكة منذ الف واربعمائة عام على يومنا هذا ، ولكن الشيء الذي لابد وان يقال أن ما أحدثته سوريا بقربها الجغرافي والاجتماعي في المجتمع الأردني أكبر من أنه مجرد قوة أمن داخلي يصرح بها وزير الداخلية ويعلن أن الأردن قادر على مساعدة اوروبا في مكافحة الارهاب بما يملك من خبرة وتكتيك أمني فشلت كل الأجهزة الاوروبية في الوصول له قبلنا .
وسوريا ليست ما يحدث اليوم في المدن والقرى الأردنية من أعراس للشهداء وموجات من التنقل عبر الحدود ومقتل متسلل من هنا أو من هناك ، فسوريا هي بعد عشرة اعوام من الأن كيف ستكون في الأردن ؟ ، والمسؤول لدينا لاينظر أبعد من مقعده فقط ولايقيس ظواهر المجتمع الأردني بعوامله المتغيرة المختلفة التي تتحكم بمخرجاته في كل ساعة ويوم وبشكل تراكمي يؤدي في النهاية إلى وجود اجزاء مجتمعية صغيرة تمثل بؤر يصبح دمجها مع المجتمع ككل صعب جدا بل مستحيل دون تنازلات على حساب الوطن.
وهذه البؤر المجتمعية تتشكل مع الزمن ويحكم علاقتها ببقية أجزاء المجتمع الكثير من الأحداث وفي أولها أعراس الشهداء وخصوصا من يتركون خلفهم أطفال يسألون بعد سنوات عن أبيهم أو عمهم أو خالهم ، ويتكون الاجابة أنه إستشهد في سوريا وعند خروجه للشارع سيجد أن هناك سوري يسير ويعمل ويعيش في زوايا مجتمعه دون أن يميز بين من قتل أبوه أو عمه أو خاله لأن الجملة المتكررة للرد على اسئلته ستكون " في سوريا " .
ويبدو أن عملية إحتضان الأخوة السوريين أصبحت هاجسا رسميا في الأردن أكثر من حقيقة أن هؤلاء الأخوة السوريين سوف يعودون إلى بلادهم أم لا وما هي المدة الزمنية التي سيبقون فيها في البلد ؟ ، وهذا الهاجس والرسمي والمتثمل في الحرص على تحصيل أكبر كمية من مبالغ الدعم في تغطية مصاريف البنية التحتية والاستهلاكية للوجود السوري في البلد هو الذي برز في اللقاء الأخير وعلى أرض احدى مخيمات اللجوء السوري في الأردن ، وأظهر الدولة الأردنية بأنها تستجدي من العالم وهي تعلم أن هذا الاستجداء هو مرحلي ولايمكن معرفة تكاليف استمرار البقاء السوري على أرض الوطن سواء اجتماعيا أو إقتصاديا وأمنيا .
والذين يقيمون أعراسهم في الأرض ونسائهم في السماء هم من سوف يتحكمون في مستقبل هذا الآزمة لأنه أصبح لهم إمتداد في أرض الوطن يرفض أن يتم التعامل معه بأنهم من بقايا الآزمة السورية بعد عشرة أو خمسة عشر عاما قادمة ، والأدلة المشابهة لهذه الحالة كثيرا وتقبع بين جنبات الوطن وبإنتظار لحظة ما كي تعيد رسم الأحداث بما يتماشى مع فكرها التياري الاسلامي كما إنتظر رفقاهم سنوات في أرض افغانستان واليمن والعراق وبدأت بذورهم تزهر في سوريا ويحصدون ثمارها على شكل اقاليم يديرونها بقوانينهم هم وليس قوانين الدولة السورية .