زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - الأمر الملكي جاء مباشرا هذه المرة لرئيس الوزراء المكلف الجديد عبدلله النسور فوظيفته الأساسية بموجب خطاب التكليف الملكي هي الإستمرار في 'حث القوى السياسية على المشاركة في الإنتخابات'.
يعرف الجميع أن الحركة الإسلامية تتصدر القوى السياسية وأنها الطرف الأهم في الخارطة.. بالتالي يفترض المنطق وفقا لعضو البرلمان البارز خليل عطية أن تركز أجندة النسور السريعة على الهدف الإستراتيجي الأهم مرحليا وهو إقناع الحركة الإسلامية بالمشاركة في الإنتخابات.
ما لم يتضح بعد في مثل هذا التفويض الملكي الضمني هو الصلاحيات التي يمكن أن تتاح لرئيس حكومة مخضرم ومحنك من وزن وطراز النسور لكي يعيد النظر في ملف قانون الصوت الواحد الذي يوتر ويؤزم الساحة الوطنية خصوصا وأن أوامر الملك الأولى تضمنت دعوة النسور لتشكيل لجنة حكماء تتولى مراجعة الملف وفقا للحقائق والوقائع وليس الإشاعات.
يعني ذلك أن الوقت القصير المتوقع لحكومة النسور الذي لا يزيد عن 85 يوما إذا جرت الإنتخابات وفقا للإستحقاق الدستوري يتضمن 'مراجعات نوعية' يتمنى النائب عطية وهو يحلل المستجدات مع 'القدس العربي' أن تشمل قانون الإنتخاب التأزيمي.
عطية وهو زميل للنسور في البرلمان المنحل يشرح: زميلنا كان شرسا وواضحا في معارضته لقانون الصوت الواحد وهو رجل كان دوما صاحب رأي وموقف ونتأمل أن لا يتراجع عن مواقفه المعلنة سابقا.
عطية يبدو متفائلا بالنسور فالرجل فهيم ويعرف الدولة وشوارعها وأزقتها جيدا وصاحب أراء جريئة في الأمور والملفات ودهاليز السياسة وخبراته عريضة في مكونات الدولة والمجتمع ونأمل بأن لا يتراجع وهو يحكم عن الأراء التي كان يقولها تحت قبة البرلمان.
في مسألة الصوت الواحد يكمن سر الأسرار في المفاجأة التي فجرها القصر الملكي الأردني أمس بإختيار النسور تحديدا فالرجل معارض علني للقانون الأكثر إنتاجا للجدل والتأزيم في البلاد.
والشيخ زكي بني إرشيد القيادي في الأخوان المسلمين قال لـ'القدس العربي' سابقا ان رئيس حكومة جديدة يأتي بدون أجندة يطيح فيها بالصوت الواحد يعني أن الأزمة مستمرة.
أسرار وكواليس إختيار النسور تحديدا لم تتضح بعد والقصر إحتفظ بالسر بطريقة لافتة وغير مسبوقة للحظة الأخيرة والخيار جاء من خارج بورصة الأسماء والتوقعات حيث شكل الأمر حالة نادرة على أن مؤسسة القصر الملكي تستطيع 'التنويع' والإستعانة برجل يعارض علنا موقفها من ملفين في غاية الأهمية هما قانون الإنتخاب والقانون المعدل للمطبوعات.
مصدر مهم ومأذون في مؤسسة مرجعية طلب من 'القدس العربي' عندما سألته عن موقف النسور العلني ضد قانون الصوت الواحد مراجعة الرئيس المكلف بالأمر.
والنسور نفسه وفي مناسبة سابقة قبل نحو أسبوعين طلب من 'القدس العربي' مباشرة تسليط الضوء على مواقفه المعارضة لقانون الصوت الواحد.
بالنسبة للتصور المرجعي الملكي النسور رجل تكنوقراط عصري متعلم جيدا ويمثل عشيرة مهمة في منطقة البلقاء، وتقلد كل المواقع في الدولة الأردنية وخبير في التشريع والبرلمان ولا تلاحقه أي شبهات فساد ولديه مهارات ومعرفة تؤهله لإن يقود الحكومة في الظرف الدقيق الذي تمر فيه البلاد.
ووفقا لما سمعته 'القدس العربي' من مسؤولين بارزين في المؤسسات المرجعية حكومة النسورهي نتاج للإستحقاق الدستوري الذي يجبرعلى إستقالة الحكومة التي تحل البرلمان وستكون آخر حكومة إنتقالية قبل تتويج المشروع الإصلاحي الملكي بحكومة أغلبية برلمانية.
المحلل السياسي والإعلامي ناصر قمش وصف النسور بأنه رجل 'غزير العلم والخبرة' فهو متخصص بالرياضيات ثم تنوع في الحصول على الشهادات العليا حتى حصل على الدكتوراة بالموارد البشرية وخدم وزيرا تسع مرات على الأقل وكان عضوا في البرلمان لثلاث دورات وهو الوحيد الذي نافس في مدينة السلط إنتخابيا القيادي البارز في الأخوان المسلمين عبد اللطيف عربيات وتمكن من الإنتصار عليه.
قمش وآخرون يركزون كثيرا على خطابات رنانة ألقاها النسور تحت قبة البرلمان وفي الإعلام ضد قانون المطبوعات المعدل الذي يقيد الحريات والرجل ندد بالصوت الواحد وتحدث مرارا وتكرارا عن الفقر والبطالة والفساد وأيد العودة لقانون عام 1989.
قبل ذلك وحسب قمش أجاد النسور تاريخيا الجلوس في موقع 'الرجل الثاني' وهي المرة الأولى التي تتاح له فيها فرصة الجلوس وحيدا في موقع 'الرجل الأول' وهو عموما أبعد ما يكون عن السياسات التأزيمية ويتعاطف مع الفقراء وذوي الدخول المحدودة ووصف علنا معدل المطبوعات بأنه يعيد الأردن للوراء وغير دستوري.
بهذا المعنى يصبح تكليف النسور مفاجأة فعلية من الطراز الرفيع فهل حضر الرجل بالأجندة العلنية المعاكسة لإتجاهات القصر الملكي بخصوص قانوني المطبوعات والإنتخاب أم انه حضر حصريا دون غيره ليفرض الإيقاع الرسمي المؤسس على التباعد مع الإسلاميين بل وإقصائهم؟
السؤال سالف الذكر حائر في الأردن لكن تداوله الجميع بمجرد الإعلان عن 'الرجل الجديد' في مؤسسة الحكم والذي تطلب وجوده عمليا المجازفة وفي وقت حساس بتقاليد 'التوزيع الجغرافي' التقليدية للمناصب العليا فثلاثة من أهم كبار المسؤولين وأصحاب القرار اليوم من مدينة السلط وسط المملكة، فيما يشتكي أهل الشمال من تجاهلهم وكذلك المكون الفلسطيني.
مجازفة من هذا النوع لها كلفتها لكنها نتاج لظروف وإعتبارات ملحة على الأرجح أملت على الحكم إختيار معارض ومناكف من الطراز الرفيع لكن من داخل منصات الحكم والنظام لإدارة المشهد المحلي المرتبك.
طبعا الكثير من التساؤلات سيتمكن المراقبون من الإجابة فورا عليها بمجرد الإستماع لأول تصريحات على لسان النسور فالرجل مراوغ من طراز رفيع.
لكن كلماته وعباراته الأولى مع تركيبة الطاقم الذي سيختاره للعمل معه خطوتان ستوفران الإجابة على السؤال التالي الذي يطرحه قمش بإسم جميع الأردنيين: هل يسارع النسور لخلع العباءة التي ظهر فيها أخر عامين ويغير في أقواله أم يفردها على طاولة القرار السياسي؟
القدس العربي