زاد الاردن الاخباري -
لا تبدو لغة الأرقام حتى عندما تكون سرية منصفة في الأردن، فكل قرار سياسي أو موقف غامض لا أحد يفهمه ومن الصعب تسويقه يربطه أحد ما في أوساط القرار برقم مجهول، حتى كادت هذه الأرقام تفصم نخبة الإعلام والسياسة وتدفعها في بعض الأحيان لتبادل الإشارات وتحريك اليدين والأصابع بشكل أقرب إلى لغة الصم والبكم.
عندما تسأل في عمان عن سر تمسك الحكومة ومستويات القرار في الدولة بقانون الصوت الواحد الانتخابي سيئ السمعة والصيت، لا يقال لك في المستوى العلني شيء ولا تساق حجة او ذريعة مقنعة، واذا حفرت في الأعماق قليلا بدافع من فضول أو بحث عن قراءة وتفسير يقدم لك القوم حجة يتيمة.
في ما يتعلق بقانون الصوت الواحد تشير الصالونات همزا وغمزا ولمزا الى رجل غامض ومجهول اسمه توني الصباغ.
.. يقال ان صاحبنا الصباغ وهو رجل ظل بامتياز يدير وحدة استطلاعية علمية متقدمة نتائجها تثقب الشمس وتخرق المياه.
والرجل في ما يبدو لا يقدم خدماته البحثية للعامة بل لمؤسسات القرار حصريا، مما يطرح تساؤلات حول درجة المصداقية الفريدة التي تتمتع بها استطلاعات الصباغ السرية لدرجة انها تحكم القرار السياسي والأمني أحيانا.
كل شخص مسؤول في الأردن يحيل قصة الصوت الواحد الى رجل الظل وحصريا إلى دراسة له تقول ببساطة، بأن تمكين المواطن الأردني في الانتخابات من صوتين بدلا من صوت واحد سيؤدي حتما إلى كتلة من الاخوان المسلمين في البرلمان قوامها 65 الى 70 مقعدا من أصل 150.
هذه الكتلة مرعبة بطبيعة الحال لأي دولة أو نظام، لكن الخطاب الرسمي لا يقول هذا الرقم السري للعامة، ولا أحد يعرف الصباغ حتى يسأله او يناقشه أو يعلم كيف أجرى حساباته التي يقال انها صدقت في الماضي.
شخصيا لم أقابل الصباع ولا أسمع عنه إلا كل الخير، ونادرا ما وجدت أحدا يعرفه، لكن اسمه يتردد بقوة كلما تعلق الأمر بقرار غريب مفاجئ يرتبط برقم ما أكثر غرابة.
حتى السلطات الرسمية تقول بأن القوة التصويتية للإخوان المسلمين تمثل 400 ألف من الناخبين في الشعب الاردني، فيما عدد أعضاء حزب الاخوان المسلمين المرخص ثمانية آلاف فقط.
لا تريد الحكومة أن تسأل نفسها عن سلسلة الحماقات والأخطاء التي ترتكبها يوميا وتؤدي لأن ينجح ثمانية آلاف عضو حزبي باستقطاب نحو نصف مليون مواطن مع أصواتهم في سلة الحزب.
حتى هذه الأرقام لا تقول بأن الاسلاميين سيحصلون على 50' من مقاعد البرلمان لو أجريت الانتخابات بنظام الصوتين، مما يعني أنهم سيحصلون على 80' من الأصوات لو جرت الانتخابات بنظام الصوت الثلاثي المتعدد.
الواقع هذه الأرقام سرية وتبقى في الأدراج ولا يمكن اختبارها أو اخضاعها للقياس وتعرض في الغرف المغلقة كحقائق لابد من التسليم بها.
وعندما تستفسر كمراقب عن أسباب تشدد الخطاب تجاه الإسلاميين يقال للباحث والمستفسر بأن حصتهم في المجتمع تصل إلى 20' من مقاعد البرلمان، لكنهم يخططون لحصة تمثل أربعة أضعاف حجمهم الطبيعي.
هنا أيضا مثال على رقم يحكم الجو السياسي بدون أدلة أو براهين، فالمعادلة الأخيرة يتداولها الجميع لكن لا أحد يسأل عن صحة الأرقام وكيفية حسابها، ولا أحد يريد أن يعترف بأن المشكلة في أساسها مع الإسلاميين أنهم مهما قلت مقاعدهم يمثلون كتلة منضبطة ومنتظمة تحضر الاجتماعات وتؤثر في اللجان ولا تتغيب بمناسبة أو بدونها عن عملية التشريع.
بعض الذين صنفوا باعتبارهم رجال دولة وحكم وزورت لهم الانتخابات جهارا نهارا لم يحضروا أي جلسات تحت البرلمان ويكثرون من الغياب والسفر... بالتالي كانوا حمولة زائدة، فيما نواب الوسط والثقل العشائري يركزون على الخدمات في جزء منهم وعلى الظهور الاجتماعي أكثر من التركيز على واجبات العمل البرلماني، فيتميز الإسلاميون بالضرورة، والدولة لا تريد ان تعترف بان رجالها ورموزها في البرلمان ليسوا أكثر من أرقام مصمتة لا تعني شيئا من حيث العمل والقيام بالواجب، وهم في هذه الحالة حمولة زائدة تسحب من رصيد النظام وترهق الحكومة بالواسطات والمحسوبيات والخدمات وتدفع الرأي العام للكفر بالتجربة برمتها.
رقم ثالث لا احد يعرف ما اذا كان ينطوي على تضليل، ففي كل مكان داخل الحكومة يمكنك أن تسمع المقولة التالية: 80' على الأقل من الشعب الأردني يقف مع الصوت الواحد.. لا أحد يعرف من أين جاء هذا الرقم ولا كيف تقرر ومتى؟
مقابل ذلك لا أحد يتحدث عن أرقام أساسية يطرحها الشارع اليوم باعتبارها مؤشرات على فشل الحكومة الذريع في أكثر من قطاع ومكان، وعلى سبيل المثال لا أحد يحدد رقما للفساد او للفاسدين أو للأموال التي هدرت بسبب الفساد والفاسدين أو للأموال التي ضاعت على الخزينة بسبب اجتهادات فاسدة.
ولا يعرف الرأي العام الكلفة الحقيقية للقب أصحاب المعالي الذين يحصلون على رواتب تقاعدية ضخمة لو انضموا لطاقم الوزارة ولو لنصف ساعة، فمقعد الوزارة يتم تدويره وأحيانا توارثه في بعض الأحيان، حتى وصل الأمر لأن يوصي وزراء بعينهم بورثتهم ومن سيخلفهم.
ويدور مقعد أي وزارة بين اعتبارات مرة مناطقية وأخرى عشائرية وثالثة أمنية ورابعة غامضة، فالشعب لا يعرف إطلاقا لماذا تم اختيار فلان أو علان وعلى أي اساس وزيرا يمثله.
كل الأرقام التي تساند او تدعم شعور الناس بوجود مشكلة حقيقية تبقى خارج لعبة القرار والتأثير في مفارقة أردنية بامتياز.
لا أحد يعرف ايضا أرقام الجنسيات التي سحبت فعلا ولا تلك التي منحت ولا تلك التي وضعت تحت قائمة سرية اسمها تحت السحب، ولا توجد إحصاءات رقمية حقيقية معروضة على الناس، ولا دراسات رقمية لها علاقة بحق الدولة في الضريبة مقابل حق دافع الضريبة بالمواطنة.
انها متوالية هندسية عجيبة الأرقام التي تهم الشعب وتتعلق بمصالحه الحيوية يتم إخفاؤها.
والأرقام التي لا يعرف أحد كيف تقررت أصلا ويتم عرضها كحجج وبراهين وأدلة ومواثيق تدعم قرارات سياسية غير واضحة.
الحقيقية ومعها الأردن برمته عالقان في هذه المساحة الرقمية الغامضة وبتقديري لن يُصلح شيء او يتقدم بدون مكاشفة وشفافية تنهي لعبة الأرقام وترقى في مستوى الخطاب والقرار السياسي إلى لعبة الإنسان الذي يدفع وحده ثمن هذه الممارسة.
القدس العربي