زاد الاردن الاخباري -
خاص - كتب : الأستاذ الدكتور أنيس خصاونة - سلوك اجتماعي مألوف أن يطرب الشخص لمن يمتدحه ويقترب نفسيا ووجدانيا من الذين يؤيدونه ويتبنون مواقفه وأرائه الشخصية . وفي الوقت الذي يمكن تفهم ذلك وخصوصا في إطار تفاصيل ونظريات علم النفس وعلم الاجتماع فإن الأمر يصبح جد خطير عندما يتعلق برأس الدولة وقادتها السياسيين ملوكا كانوا أم رؤساء أم وزراء أم مدراء. فالقائد الذي ينحاز إلى عصبة أو ثلة أو جماعة أو "شلة" من المؤيدين والمطبلين يصبح قائدا لهم فقط ولا يستطيع أن يكون قائدا لكل مواطنيه أو مرؤوسيه. القائد الذي يطرب لمن يزينون له الأمور، ويظهرون الأشياء على غير حقيقتها ، ويفرطون بإسفاف شديد في بيان مناقب القائد وعبقريته وإلهامه لا بل بعضهم سمعناهم يقولون بأنهم لا يعلمون ما الذي سيحل بهم إذا تغير هذا القائد أو الزعيم؟ألله أكبر ألا يعرف هؤلاء المنافقون المتزلفين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعظم قائد في تاريخ البشرية قد توفي وبقيت الأمة الإسلامية؟ ألم يسمعوا هؤلاء الأفاكون والبهلوانيون أن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب حينما سأل المصلين من على المنبر عن ماذا سيفعل المسلمون إذا هو انحرف عن تطبيق شرع الله أجابه إعرابي بأنهم سيقومونه بعصيهم . ألا يعلم المنافقون من البطانات السيئة لأولي الأمر أن الحاكم هو أجير عند الرعية وأنه لا امتيازات له وأنه الأكثر تواضعا وحزنا على المسؤوليات المناطة به. الفرد حر في أن يطرب للمديح والثناء والتأييد هذا إذا كان على المستوى الشخصي والسلوكي ولكن ذلك لا ينطبق ولا يليق بالقائد خصوصا عندما يكون قائد لأمة متحملا لمسؤوليات جسام تتعلق بحاضر هذه الأمة ومستقبلها. ليس للقائد الفعال والملتزم بأمانة المسؤولية أن يبعد معارضيه ويقرب مؤيديه والمصفقين له صباح ومساء. في بريطانيا على سبيل المثال تدعوا الملكة الحكومة "بحكومة الملكة" والمعارضة "بمعارضة الملكة" خصوصا وان الطرفين يتبادلان الأدوار عبر صناديق الاقتراع وعليه فإن الموالاة والمعارضة يخضعون لنفس القيادة ويحظون بنفس القدر.
الوضع في الأردن للأسف الشديد مختلف حيث تجد أن من يطبلوا للنظام وأفكاره وتوجيهاته يحظون بالدعم والمكافأة والحظوة وما ينبثق عنها من امتيازات ومواقع وأعطيات ووظائف وجاه وسلطان . بالمقابل فإن المعارضة أو الأطراف التي تحمل فكرا أو رأيا أو وجهة نظر تختلف عن رأي النظام ومصالحه فيتم استثنائهم وعزلهم أو إقصائهم وأحيانا استعداء الناس عليهم عن طريق التخوين والتشكيك وخير مثال على ذلك ما تعاني منه جماعة الإخوان المسلمين وعدد من جماعات المعارضة الأخرى. فالملك يسمع لمؤيديه ويقربهم إليه ويكافئهم بتوليتهم إدارة شؤون البلاد والعباد في الوقت الذي يتجاهل المعارضة ويتم كيل الاتهامات لها مثل ما عبر في مقابلته الصحفية مع محطة التلفزة الأمريكية قائلا أن "الأخوان المسلمين يريدون قانون انتخابات على مقاسهم" ؟ عجبي ألا يريد النظام تفصيل قانون انتخابات على مقاسه !أليس قانون الصوت الواحد والتراجع في النوايا الإصلاحية للملك ،وتغيير الحكومة واستبدالها بحكومة بائسة رئيسها غيرإصلاحي ولا تتوفر فيه مقومات رجل دولة يصلح لهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الأردن!
المعارضين في الأردن هم أردنيون أقحاح وأبناء هذا البلد ويعارضون لأجل البلد واستقراره ونماءه وهم ليسوا من أصحاب الأجندات الخارجية كما يزين الوضع للملك . نعم المعارضة لها أجندات داخلية وينبغي أن يكون لها مثل هذه الأجندات في كيفية إدارة شؤون الدولة، ومواصفات الإصلاح السياسي الذي نريد، والتعديلات الدستورية التي نتطلع إليها ، وشكل إدارة الدولة ، وصلاحيات الملك ، وعلاقة الملك بالحكومة وغير ذلك . تجارب النظام السياسي الأردني وتعامله مع الموالاة والمعارضة جعل للأسف الشديد من الموالين فئة أغلبها من المنافقين المتزلفين "الشطار" هم ليسوا من أصحاب فكر مؤيد للنظام ولكن أصحاب مصلحة وانتهازيين وصيادين للفرص يعملون جهدهم للإبقاء على الوضع الراهن الذي يمكنهم من الاستحواذ على عطاءات الدولة وحواسيبها ومبانيها وتعبيد شوارعها وإسكاناتها . أما المعارضة فقد تم شحن الناس ضدها لدرجة اقترنت المعارضة "بمعاول الهدم " "والارتباطات الأجنبية" وتدمير البلد وأحيانا ربطت بالعمالة لأمريكا والصهيونية العالمية. المعارضون أصبح ينظر لهم على أنهم ضد الوطن وقد سمعنا في زيارات الملك للعشائر كيف يتم الهجوم على المعارضة وعلى مسمع الملك ووصفها بأكثر الصفات أذى وتخوين وتشكيك في النوايا.
الملك قائدا للجميع وينبغي أن يكون كذلك إذا أراد أن تستمع له جميع الأطراف والشرائح في المجتمع الأردني . كيف يمكن أن يشجع الملك الانضمام للأحزاب السياسية في الأردن إذا كان المعارضين المنضوين في أحزاب المعارضة منبوذين ومستهدفين من النظام ودوائره الأمنية؟ أليس معظم الفاسدين المحالين للمحاكم هم من البهلونات وأولئك ممن تحوم حولهم شبهات فساد كلهم من الفئات الموالية للنظام ؟أليسوا معظم هؤلاء الفاسدين كانوا وبعضهم ما زال من المقربين من النظام ويعيشون في أكنافه؟ ألم يرتكب هؤلاء فسادهم وإفسادهم باسم سلطاتهم المخولة إليهم وبعضهم جاء من رحم الديوان الملكي؟ أتحدى أن يذكر لنا أحدا أسماء من المعارضين المتهمون بالأجندات الخاصة والصهينة والعمالة لأمريكا ممن حامت حولهم شبهات الفساد! الفساد معظمه جاء من الموالاة وأحزابها وشللها وعصاباتها وليس من المعارضة التي تطلق عليها إتهامات الخيانة قبل تجريبها حتى .
فرصة الملك ألذهبية أن يتعامل مع المعارضة بنفس الاحترام وبنفس لإصغاء الذي يظهره للموالين الذين ثبت بأنهم غشوا الملك وخانوا الوطن ونهبوا البلد وبعضهم تركه ليعيش في لندن وغيرها من العواصم الأوروبية والعربية. فرصة الملك أن يقود شعبه بالكامل وأن لا يختصر هذه القيادة على أنصاره ومؤيديه لأن محاباة مؤيديه وتمييزهم تجعله قائدا لهم فقط وليس للبقية التي تعاني من الإقصاء وحجب المعلومات ، والتخوين ، وتفصيل التشريعات لتحول دون وصولهم إلى مواقع القرار. الملك مدعوا لأن يقود شعبه كل شعبه وليس فقط مؤيديه ومناصريه ومادحية وممالئيه .نعم الملك مدعوا لأن يكون على مسافة واحدة من المؤيدين والمعارضين إذا أراد أن يكون قائدا يحبه الجميع ويدافع عنه المعارضين بقدر ما يدافع عنه المؤيدين وربما أكثر.