وأنا أبوك يا سارة

كان والدي رحمه الله "ينخى" نفسه عند الشدائد مواطن النخوة باسمي أختيه فيقول: "وأنا أخوك يا نورة"، وإذا ما اشتد الوقع صاح: "وأنا أخوك ياحنيفة"!

     أما أنا فأنتخي باسم ابنتي "سارة" و"رند" فأظل أتغنى بجدائل هذه وأتغزل بعيني تلك، وحق لي أن أهيم في حبي وعشقي، فـ"سارة" و"رند" هما الوطن الممتد من تراث الأجداد شعرا (بفتح الشين) وشعرا (بكسر الشين) إلى مستقبل الأحفاد عيونا حورا وقصائد نثرا، وهما الأمل الذي إذا اسودت الدنيا كلها في ناظري كانتا بريقه وترياقه وبلسم جراحه.

     ربما لم تحاصرني الخطوب يوما كما فعلت بي هذه الأيام –أحمد الله تعالى حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد– فانضممت لذيل قوافل الباحثين عن عمل بعد أن أمضيت أكثر من عقد وأنا جمالها وحاديها أشغل هذه القوافل وأدربها حتى بلغ تعداد من عمل وتدرب تحت إدارتي قرابة عشرة آلاف، وحزت بين يوم وليلة على عضوية أصيلة في جمعية مرضى السكري، وبلغت خسارتي المادية المفترضة ثلاثين ألف دينار بسبب نقصان خمسة أشهر فقط عن مدة الخدمة المطلوبة –ثمانية عشر عاما- في قانون الضمان الاجتماعي المؤقت لصاحبه شيخ الطريقة الرفاعية سيدي سمير بن زيد بن سمير الرفاعي قدس الله سره، وأخي في الله الذي فصلني من عملي بعد خدمة ستة عشر عاما كي يخفف عن الميزانية ثقل راتبي زاد نفسه الشهر الماضي زيادة واحدة تعادل راتبي مرة ونصف وأصبح راتبه خمسة أضعاف راتبي، وتفرق عني أعز الأصحاب وأقرب الأحباب حتى ترحمت على من قال:

ما أكثرالأصحاب حين تعدهم       ولكنهم في النائبات قليل

وتذوقت مقالة من قال:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة    على النفس من وقع الحسام المهند

وخشيت أن تحل بي مقالة من قال:

إلى أن تحامتني العشيرة كلها     وأفردت إفراد البعير المعــبد

     لكن (لا تقنطوا من رحمة الله) كانت نبراسي وإمامي، ثم بعد ذلك جدائل "سارة" وعيون "رند"، وهما من (رحمة الله) تدفعني دفعا كي ألعق جراح النكران والجحود، وأتجرع المضاضة ولو مزق حسامها الأحشاء، وأرفع لواء العشيرة ولو كان منغرسا في السنام الضامر للبعير المعبد.

     بإذن الله لن ينتصر السكري على رشفات العسل من ريق "رند"، ولن يطغى سواد الغدر ببشاعته على سواد جدائل "سارة" ببهائه ونضارته. 

المهندس هشام عبد الفتاح مفضي الخريسات

hishamkhraisat@gmail.com