زاد الاردن الاخباري -
يقول الدكتور غازي القصيبي رحمه الله تعالى في كتابه حياة في الإدارة: "على الرئيس العاقل ألا يضيع الكثير من الوقت والجهد في محاولة يائسة لزحزحة المقاعد من مواقعها. إن كان لابد من التغيير فلا بد أن يبدأ بالرجال لا المقاعد".
شخصيا: لا أستطيع أن اخفي سؤالا يوجه لي يوميا: "لماذا لا يقوم جلالة الملك بتنحية جميع النخب السياسية التي توارثت السلطة وكانت سببا في الديون والمصائب التي يقع الأردن فريستها منذ أكثر من 40 عاما؟!؟"
النخب السياسية المقصودة في هذا السؤال، كما نعلم، هم رؤساء حكومات سابقة ووزراء ونواب وأعيان ومدراء أجهزة امنية ورجال كانوا حول المغفور له بإذن الله الملك حسين، طيب الله ثراه، وما زال بعضهم حول الملك عبدالله الثاني، سواء المستشارين أو رجال الديوان أو رجال الحكم من الحرس القديم والمحافظين والمتشددين أو الليبراليين بشكل عام.
الحقيقة أنني أقف أحيانا عاجزا عن اجابة ذلك السؤال، فأقول "أحيانا": أن إبعاد كل هؤلاء، وقد يصل عددهم إلى أكثر من ألف شخصية تقريبا، مسألة مستحيلة عمليا، وقد حدث أن الحسين رحمه الله قد فعل ذلك عام 1996 حين جاء بالسيد عبدالكريم الكباريتي رئيسا للوزراء وخلال تلك الفترة حدثت تغييرات جذرية في رجال الحكم فجيء بالسيد سميح بطيخي مديرا للمخابرات وبالسيد عون خصاونة رئيسا للديوان وشملت التغييرات مراكز كثيرة في مواقع الحكم، وكذلك حدث مؤخرا حين أولى جلالة الملك رئاسة الحكومة للسيد عون خصاونة وحدث تغيير كبير في مفاصل النظام في المخابرات والديوان وحتى على مستوى الوزراء، ولكن هذا وغيره من التغييرات الجذرية لم يسعف الأردن والملك والشعب في وضع الأردن على مسار مختلف يحقق "التغيير" والإصلاح السياسي والإقتصادي الذي يمكن إعتباره ملموسا وحقيقيا.
أحيانا أخرى أجيب على ذلك التساؤل أن الأردنيين كلهم متشابهون حتى لو جاء إلى منصة الحكم السيد حمزة منصور والسيد زكي بن رشيد والمهندس ليث شبيلات أو حتى الزميل ناهض حتر والدكتور أحمد عويدي العبادي أو رجالات الأحزاب المخضرمين سواء من ناحية طريقة التفكير الأردنية أو من ناحية أوضاع الأردن وإمكانياتها وموقعها الإقليمي والجغرافي أو من أية بعد أو زاوية فتظن أن النتيجة ستكون واحدة، ولكن هذا لا يمنع أيضا حق هؤلاء أن يحصلوا على فرصة لتقديم برامجهم وأفكارهم، حتى لو لم تعجب البعض.
عمليا، تحظى معظم النخب السياسية بثقة جلالة الملك، ولا يقبل جلالته، ولا نقبل نحن أيضا، أن يتهم أحد بالفساد أو بالتخريب دون بينة ودليل قاطع، ويشير الملك في معظم خطاباته ورسائله أن الذي يملك دليلا ضد أحد فليتقدم به إلى القضاء، وقد أثبتت التجربة أن أكثر المقربين يحاكم ويحاسب مهما بلغت منزلته أو مكانته التي وصل إليها إن تبين أن هناك ما يؤكد فساده أو عبثه أو إخلاله بوظيفته العامة بشكل أو بآخر.
ما ينقذ الأردن حقا، ومن وجهة نظري المتواضعة، ليس تغيير الوجوه أو المقاعد أو الرجال، وليست أيضا تغيير سياسة تشكيل الحكومات فقط، ما ينقذ الأردن حقا هو إيجاد طريقة تفكير جديدة تغوص بعيدا في تركيبة المجتمع الأردني، تتفهم حجمه وإمكاناته ومكوناته، وتعالج أخطاءه الصغيرة الكثيرة التي لا نكاد نلاحظها، أليست "أخطاؤنا الصغيرة المتراكمة هي ذاك الجبل الذي يتكون منه الفساد الكبير"؟ والذي "..لا يتلاشى، إلا إذا بدأنا بإصلاحها الواحدة تلو الآخرى"؟!؟.