زاد الاردن الاخباري -
لا توجد ادلة مقنعة على ان السياسي الاردني العتيق الدكتور رجائي المعشر تقصد المساس بحقوق وحصة فئات عريضة ومحددة من المهمشين سياسيا في البلاد عندما تصلب برأيه قبل عدة اشهر في لجنة الحوار الوطني خلف فكرة 'الحقوق المكتسبة' محذرا من اي نظام انتخابي يقترب من حصة ومقاعد المحافظات لصالح المدن.
المعشر وهو احد رموز الحرس القديم في الدولة الاردنية تحدث مباشرة عن المسألة في اللقاء اليتيم الذي جمع اركان حكومة الرئيس عون الخصاونة بلجنة الحوار الوطني التي يقودها طاهر المصري.. اللقاء حضرته 'القدس العربي' واستمعت خلاله مباشرة للمعشر يجدد تحذيراته.
اليوم ومع دخول جميع مراكز القرار في البلاد بمزاج انتخابات 2012 التي اعلن القصر الملكي انها ستجري حتما قبل نهاية العام الحالي توفرت ادلة ومعطيات تفيد بأن مبدأ الحقوق المكتسبة قيد التثبيت فعلا واصبح قاعدة اساسية في الاتجاه الانتخابي يتحدث بعدها الجميع مع ان الاوساط المراقبة تعترف بأنه حصريا المبدأ الذي يرد ضمنيا على سيناريو الحقوق المنقوصة الذي راج قبل اكثر من عشر سنوات.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الحكومة اعتبارا من امس الاول حوارها 'السريع' مع قادة المعارضة ورموز الحراك المعتدلين والتيار الاسلامي تحضيرا لاعتماد النسخة الاخيرة من قانون الانتخاب الجديد.. في هذا الوقت يتجه الجميع للتفاوض والتحاور بعيدا عن نظرية الحقوق المكتسبة وبشكل يقنع الاطراف والمحافظات بان حصتهم من مقاعد البرلمان خارج قياسات التأثير ولا تخضع للتفاوض دون ان يوازي ذلك وبوضوح خطاب من اي نوع يسعى لاستقطاب ما يسمى محليا بمساحات الكثافة السكانية او المركز او يمعنى غير مباشر الاردنيين الذين شعروا بالماضي بانهم في الهامش وبان حقوقهم منقوصة.
وفي عمان تصرف عبارة 'حقوق مكتسبة' اليوم للدلالة على حصة البنية العشائرية والتقليدية في المجتمع وتحديدا في الاطراف والمحافظات.. بالمقابل تثير عبارة الحقوق المنقوصة كل هواجس الجدل والنقاش وتقال عبارة 'كثافة سكانية ومدن' عندما يتقصد القوم القوة التصويتية للاردنيين من اصل فلسطيني. هنا لا يخفي رئيس الوزراء عون الخصاونة على هامش وقفة حوارية سريعة مع 'القدس العربي' قناعته المبدئية بأن الاردن لجميع مواطنيه سواء من انتمى منهم لعشيرة او لم يكن ابنا لعشيرة.
ولان التحاور حول هذا الموضوع الشائك ملغم بالعادة ويثير حساسيات متعاكسة كما يلاحظ النشط السياسي محمد خلف الحديد تبرز على هامش صفقة الانتخابات التي تطهى على نار متسارعة حاليا مؤشرات تعزز القناعة بأن النظام الانتخابي ومن بعده السياسي وقبلهما تحالف الحركة الاسلامية مع الجبهة الوطنية للاصلاح بقيادة الرئيس احمد عبيدات ثلاثة اطراف يتجهون حاليا للتحول الى طرف واحد يضفي الشرعية المطلوبة على وجبة تشريعات الانتخاب التي ستقدم للرأي العام قريبا جدا.
وهذه الشرعية تقاسمت الادوار فيما يبدو فجبهة عبيدات يفترض انها ستقود الحوار الانتخابي نيابة عن الجميع والاسلاميون بدورهم يستطيعون اللعب على كل الجبهات وضمان حصتهم ومقاعدهم في المحافظات وفي مساحة الكثافة السكانية في المدن بنفس الوقت، الامر الذي يعني بقاء اللعبة كما كانت في الماضي مع تعديلات طفيفة جدا.
التقاسم هنا بتخطيط او بدونه يتنشط في اطار البيئة الاجتماعية والامنية والحراكية والسياسية والاقليمية المعقدة حاليا وسواء تقصدت اطراف الطبخة الانتخابية ام لم تتقصد طرحت كذبة 'الحقوق المنقوصة' بطريقة ذكية تخيف الجميع.
وتم بالتوازي رفع قاعدة الحقوق المكتسبة كاستحقاق غير قابل للتفاوض بحيث انتهى النظام الانتخابي لخارطة يمكن توقعها مبكرا وتقول سياسيا بان البنية العشائرية الكلاسيكية المؤيدة بالعادة للنظام السياسي ورغم اعتراضات وحراكات وشغب بعض بؤرها ستحتفظ بحصتها من مقاعد البرلمان المقبل وستتعزز هذه الحصة قليلا ويمكن تطعميها بالحراكيين وبعض الاسلامييين.
مقابل ذلك ستزيد قليلا وبشكل محدود جدا لا يحدث فارقا قويا حصة 'التمثيل الفلسطيني' في البرلمان بعدما نجحت حملة ترهيب النظام بطرح اكاذيب من طراز التجنيس السياسي والحقوق المنقوصة.
وتتناسب هذه الملامح مع الواقع الموضوعي للمشهد فالاردنيون من اصل فلسطيني لا يحق لهم التمتع بمزايا وعوائد الاصلاح الانتخابي ما داموا امتنعوا عن المشاركة في الحراك والفعالية وتورطوا في المطب المزروع بذكاء في طريقهم والذي يدفع اي منهم الى دائرة شبهة الوطن البديل اذا ما تحدث عن حصته العادلة في التمثيل.
وابناء المحافظات يحق لهم تثبيت حصتهم وحقوقهم ومكتسباتهم السياسية اكثر من اي وقت مضى لان امتصاص غضبهم واحتقانهم والاهم احتواء حراكهم هو الاولوية المطلقة اليوم ليس فقط للنظام السياسي ولكن ايضا لاقطاب اساسيين في المعارضة والشارع.
بالمحصلة لا تثير هذه القسمة الا مفارقة السؤال السياسي القديم في الحالة الاردنية الداخلية فكل الخطاب والاجراء بدوائر القرار الاردني يخاطب حراك الاطراف الذي اقلق اصحاب القرار وقرع اجراس الانذار ولا احد ـ اطلاقا لا احد - يفكر داخل النظام بمخاطبة كتلة الصمت البشرية والديمغرافية التي تجلس بهدوء في مستويات الكثافة السكانية والتي قال عنها وزير الداخلية الاسبق مازن الساكت يوما.. كأنها تقيم في دبي.
القدس العربي