زاد الاردن الاخباري -
إذا استثنينا مؤسسة العرش، والسلطة القضائية، ودققنا النظر في نظام الدولة الأردنية، بمؤسساتها المختلفة، سنجد أنفسنا امام نظام فاسد، تغدو فيه خطوط الفساد أفقية وعامودية، في شكلها ونوعها ومدى إصابتها بالـ "فيروس" الذي إنتشر بين أركانها، لصغار موظفيها ومدرائها وقيادتها.
البعض يعتبر أن "السرقة المباشرة" وحدها فسادا، وهذا غير صحيح وغير دقيق، فالواسطة والمحسوبية وسرقة دور الغير هي روح "فيروس" الفساد، والسكوت عن الخطأ ومجاراة الفاسد أو الإنتظار لحين خروجه من المؤسسة هو أيضا فساد مخطط ومدروس و"جبان"، كذلك الترهل والبيروقراطية وعدم إنجاز الأعمال بصورة مؤهلة وشفافة يعد فسادا، وقد سمعت عن موظفين لا يعلمون عن وظائفهم الحكومية سوى استلام الراتب آخر الشهر، ويقضون وقتهم بين المغادرات والإجازات الطارئة والمرضية ولم يؤدوا عملا واحدا للمؤسسة التي يعملون فيها!
سنتحدث بصراحة عن الحكومات الكثيرة التي اعتلت كرسي السلطة التنفيذية واتخذت مئات أو الآف القرارات العاجلة أو الغامضة أو التعيينات "المشبوهة" ثم غادرت، وغذت "فيروس" الفساد، وشجعته على الإنتشار، سواء بالإرتجال أو عدم الخبرة أو إستغلال الوظيفة أو حتى على مستوى ترك "الحبل" على الغارب بدون رقابة وتوجيه، ولنتحدث أيضا عن مجلس الشعب الذي لم يحصل يوما على مقاعد التمثيل بصورة صحيحة عادلة، لن نقول مزورة بالكامل ولكنها ليست صورة ديمقراطية تعتمد التمثيل النسبي، فأصبحت وظيفته الأساسية، وجميع القرارات التي يأخذها في المراقبة والتشريع "فاسدة"، ونتحدث عن أجهزة الدولة المختلفة، التي أضحى ارتياد رؤسائها ومدرائها وقياداتها لـ "الجويدة" والنائب العام تطغى على المشهد الأردني، ونتحدث عن الآف الوظائف في معظم مؤسسات الدولة التي حصل عليها موظفون نتيجة الترضية أو تجاوز الدور والمؤهلات أو بالواسطة فأصبحوا حملا ثقيلا عليها وعلى الدولة نفسها وعلى الوطن.
"فيروس" الفساد لم يتوقف عند مؤسسات الدولة وموظفيها بل خرج ليسطر على الشعب نفسه، وتغلغل في المواطن الذي يقبل به، ويقبل أن يساهم في عملياته المختلفة، سواء بالموافقة على "الواسطات" أو السكوت عن الممارسات الخاطئة الواضحة، أو قبول الوظائف التي لا تتبع الدور والمؤهلات، أو قبول جوائز الترضية والمنح التي هي في الأصل واحدة من حقوقه، أو بقبول غياب "العدالة الإجتماعية" وقبول عدم تساوي الحقوق والواجبات لكل المواطنين، حتى صار لزاما علينا "جميعا" أن نقر ونعترف، أن الفساد، قد أصبح جزءا أساسيا من منظومة حياتنا، وعنصرا لا يمكننا الخلاص منه إلا بالتوقف والتقييم، ووضع خطة تضمن إعادة تأهيل النظام من جديد.
علينا أن نعترف أيضا، أن التغيير ليس سهلا، وأن محاولات الملك الكثيرة للإصلاح، قد واجهت العديد من جبهات التعنت والرفض، وأذكر دائما قصة زيارة جلالته لمستشفى البشير ثلاثة مرات متتالية وشدد على بعض الإصلاحات لكن الـ "فيروس" الذي يسيطر على جسد المؤسسات الحكومية، قد منعها من التغيير، وأن توقيف بعض أبناء العشائر، أو بعض المسؤولين، المتهمين بالفساد، قد واجه عاصفة "رافضة" متشددة تهدد بإستقرار الوطن، لكن مؤسسات الدولة السياسية كالأحزاب لم تتحرك لتشجيع هذا الإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين، أو بقول كلمة حق بشأن محاولات التغيير، وبقيت صامتة تتفرج، خوفا من المواجهة مع الشعب، أو استرضاء للعشائر أو مراكز النفوذ، أليس هذا هو الفساد بعينه؟!؟
بالنسبة لي، فإن إهمال الإصلاح الإقتصادي وعدم المباشرة بوضع خطة إقتصادية محكمة وتنفيذها هو فساد أيضا وكذلك فإن إقرار قانون إنتخاب لا يحقق العدالة الإجتماعية ولا يشتمل التمثيل النسبي هو رأس الفساد الذي ستكشف عنه الأيام القادمة.
نصف ديمقراطية، نصف عدالة، النتيجة صفر.