في كثير من اللقاءات التلفزيونية يركز الاقتصاديون على أن كشف ملفات الفساد سوف يطيح بالكثير من الاستثمارات الأجنبية المتوقع أن تأتي إلى الأردن ، وهذا بكل تأكيد سوف يؤثر على معدلات النمو الاقتصادي المرهقة أصلاً بعجز الموازنة ، وارتفاع المديونية الخارجية ، وارتفاع معدل خدمة الدين العام .
اعتقد أن هؤلاء الاقتصاديون على خطأ كبير حينما يعتقدوا أن كشف ملفات الفساد ، وتطهير المؤسسات الحكومية المعنية بالإجراءات الرسمية المتعلقة بجذب الاستثمار ، أو الإطاحة برموز الفساد من المسسؤولين السابقين ، سوف تكون عوامل معيقة للنمو الاقتصادي .
ذلك أن كشف ملفات الفساد بمثابة البنى التحتية للاستثمار الأجنبي شأنها شأن الطرق والمواصلات والاتصالات ، ولا يمكن فصل ملف كشف الفساد عن ملفات الإصلاح الاقتصادي المنشود في الدولة ، وهو ما يعني أن حملات الإطاحة برموز الفساد تعني أن معدل العائد المتوقع ، أعلى بكثير من الكلفة الاقتصادية وحتى السياسية التي يتحملها الاقتصاد في الفترة الحالية ، وسوف تكون فترة الاسترداد لهذا الاستثمار قصيرة جداً .
الاقتصاد الأردني يعاني الأمرين حينما نرى أن زعماء ومنظروا الاقتصاد هم ناهبيه ، وهم من يبررون ويحددون وجهة الاقتصاد بما يناسب رغباتهم وتوجهاتهم ، رغم أن المنطق الاقتصادي قد يكون في غير ذلك . فمثلاُ نجد أن معالي وزير الصناعة الأكرم قد برر الخصخصة بأنها مشروع مجدٍ للحكومة عبر العوائد التي توفرها للخزينة ، لذلك تم خصخصة أبرز المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية الأردنية الناجحة الموفرة لفرص العمل والمدرة للدخل الحكومي ، وغير المتعثرة. على الرغم من أن المنطق الاقتصادي بالأساس يرى أن فكرة الخصخصة يجب أن تكون للمؤسسات الفاشلة من الناحية الاقتصادية ، والتي تعتبر حملاً ثقيلاً على مستوى الدولة وعلى موازنتها .
اعتقد أن فتح ملف الخصخصة قد يطيح برموز كثيرة من الاقتصاديين والاستغلاليين والمنظرين، وهم الذي باعوا ضمائرهم و أنفسهم قبل أن يبيعوا الوطن ومقدراته ، وهنا فإن الإطاحة بشخص مثل باسم عوض الله لا يعني فقط الإطاحة بفاسد ، وإنما يعني الإطاحة بمدرسة كاملة لها مؤيدوها ومناصريها وأذرعها داخل الجهاز الحكومي المترهل ، ممن يتاجرون بأرواح الناس ومقدراتهم في سبيل تحقيق الثروة .
الفساد هو أن تتوقف الحكومة عن فتح ملفات الفساد ، ومحاسبة كل شخص ساهم فعلاً أو قولاً في بيع الوطن ومقدراته ، أو تآمر على مؤسسات الدولة ، ومصادرة ممتلكاته التي حازها بغير حق ، وأعتقد أن ثروة باسم البهلول لوحدها والتي تقدر ب 800 مليون حسب النشرات ، كافية لأن تسد عجز الموازنة وبالتالي فإننا ليس بحاجة للاستثمار الأجنبي حتى لو توقف .
وهنا نتكلم عن إعادة هيلكة وإصلاح التشوهات في أجور القطاع العام والتي تقدرها الحكومة ب 120 مليون ، وأنا على يقين بأن ثروة أحد الفاسدين من الجيل الثالث أو الرابع ممن حصل على ثروته من قوت الشعب الأردني ، قادر لوحده على أن يسدد نفقات إعادة الهيكلة ، وبالتالي فإن هذه المعطيات تعني الحاجة إلى وقفة حقيقية مع الفساد ومحاسبة فاعليه ، قبل أن ننظر له من الزاوية المتشائمة الضيقة .