الفقر نوعان و القهر أنواع , فأما الفقر, فقر ٌ مقبول وفقر ٌ مرفوض . فأما المقبول الذي تكون الشعوب به راضية بسبب قلة الأمكانيات وقلة الموارد مع تدافع هذا الشعب لتحقيق الرقي والسمو لبلدهم , لأن الفقر من الأسباب المدمرة للشعوب و آمالها و طموحاتها و مستقبل أبنائها الذين ينظرون بعين الغبطة ِ للدول المتقدمة والتي تنعم بثروات تجعل من نفسها منارة ً لأنظار العالم . فالدولة ذات الأقتصاد القوي الجريء هي دولة ذات قدرات عالية قادرة على ان تكون محورية بين دول العالم . أما الفقر المرفوض فالذي يكون سببه غير الشعب.
ولكن للأسف الأقتصاد لوحده لا يكفي لأن تكون هذه الدولة أو ذاك ذو حصون ٍ منيعة و قوية على المعتدي الخبيث , أو الطامع اللئيم . فالأقتصاد القوي لا بد وأن يترافق معه إرادة ٍ شعبية مصونة من كل أنواع الفساد . ولقد أثبتت الدراسات أن الشعوب في تكويناتها تتطلع بأستمرار إلى أن تكون الأميز و الأفضل و الأقوى و الأجدر بين الشعوب و دول العالم , ولكن هذا التكوين لا يكفي فلا بد من تكليف , أي تكليف الشعوب بعقيدة صحيحة نابعة من الأتجاه الفكري الخللاق , والذي لا يتأصل إلا بسواعد العلماء و همة و إرادة أصحاب الأمر .
وحتى تبدع الشعوب فلا بد كذلك من العيش بأجواء تحفظ للفرد كرامته و حريته التي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين , فالشعوب التي لا تتمتع بالحياة الديموقراطية أو قتل قدراتها بتحويل الحق عن أصحابه و إيلائه غير أصحابه عندها ينتهي الأبداع وتضيع الطموحات .
إذا ً الشعب أو الدولة حتى تكون قوية منيعة محققة لطموحاتها تحتاج الى أولويات , إقتصاد قوي مصون , و إرادة وطموحات أهله , وتكليفات فكرية ( أي لماذا نحن خلقنا ؟ وما هي الأخطار المحدقة بنا ؟ و ما هي التحديات التي تقف أمام طموحات شعبنا ؟ و ما هو المطلوب لتحقيق أهداف الشعب أو الأمة ؟ ) . فأكثر ما يتم التحريص منه ُ هو خلو العقل و الفكر من حشوات صحيحة وصادقة , فعندما يكون العقل و الفكر خال ٍ من المحتوى الأمثل سيحل مكانه ُ الفكر الأسوأ , فخلوه من العقيدة الربانية الصحيحة سيحل مكانها الترهات و الخزعبلات , وخلوه من العدل سيحل مكانه الواسطة والمحسوبية و الظلم وووو الخ .
و في ظل الربيع العربي ثبت أن الفقر الناتج عن الفساد المتعمّد و المنظم يؤدي الى مطالبة الشعب بحقه , و هذا سبب دفع بالشعوب بالنزول للشارع .
فالمحافظة على مقدرات الأمة هو بالحقيقة محافظة على هيبة الأمة و محافظة على قيادتها و رمزيتها , فدولة تسمح للفساد أن يسود هي حقيقة ً تسمح للغير أن يتدخل .
وهنا يأتي الحديث عن القهر , فالقهر يتولد نتيجة الشعور بالظلم , فكيف إذا كان الظلم شِعار ؟ فالله حرم الظلم على نفسه و جعله ُ بين خلقه ِ محرم ٌ , لأن الظلم كالجمر الذي يغلي تحت الرماد سرعان ما ينفجر , أو كسيل ِ ماء ٍ هادئ لا نُدرك عمقه ُ .
فمن أسباب إندثار الحضارات و الدول المتجبرة ِ الظلم , وكما قيل أن العدل سبب استمرار الملك , فمن غير المعقول أن يستمر حكم و ظلم , فلا بد َّ للظلم أن ينجلي , ولا بدّ لتحقيق إرادة الشعوب .
فالفرد الذي لا يؤخذ ُ وزن ٌ لرأيه ِ هو بالحقيقة ِ يمارس عليه ِ الظلم , و الفرد الذي يؤخذ ُ حقه ِ و يعطى لغيره يمارس عليه الظلم . والذي يعطى حقه ِ بوظيفته ِ أو تعليمه ِ لغيره هو ظلم , والذي لا تُعطى له فرصة خدمة بلده لأنه ُ القوي الأمين ثم يكلف ُ غيره ُ هو ظلم , و كذلك الشعب الذي لا يستطيع أن يقرر مصير نفسه ِ هو ظلم , و الشعب الذي لا يستطيع أن يوصل نوابه ِ هو ظلم , و الشعب الذي تُهدر ثرواته ِ و ممتلكاته ِ ظلم , و الشعب الذي يرى أنه باستطاعته أن يرتقي و أن يصل بمستقبل أبنائه الى رقِي الأمم ثم يُقتل هذا الشعور هو ظلم .
فكرامة الشعوب أمر ٌ مقدس لا يجوز المساس بها أو الأقتراب منها إلا لمن أراد يتعطّر َ منها أو يحذو حذوها , لأنها طاهرة نبيلة , محمية ً حماية ً تكليفية من رب البرية , لأنها إمتحان و إبتلاء , فهنيئا ً للقوي الأمين , القوي في إحقاق الحق و إبطال الباطل , و الأمين عليها بشرع الله .
نخلُص الى نتيجة ٍ مفادُها أن الفقر و القهر سببهما الفساد , فبحِسبة ِ أهل السياسة ِ اليوم يكون سبب الفقر و القهر هو الفساد السياسي , الذي إن صلُح َ صلحَت حياة الشعب و كرامته .