فإن هربت الباخرة(سور) من ميناء دولة كالأردن ذات سيادة وهي محملة بالذرة الفاسدة فتلك مصيبة، ولكن إن تمّ تهريبها فالمصيبة أعظم. ودون استباق لنتائج التحقيق فإنّ الفراسة والحدس الصائب اللذين تكونا في شخصية المواطن الأردني يشيران إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، وإلى أنّ وراء السور والحواجز ما وراءها، يعزز هذا بما أورده مدير مؤسسة الموانئ بالوكالة بأنّ هناك باخرة تدعى( لين كين) هربت قبل عدة أشهر على الرغم من الحجز القضائي الصادر بحقها؛ أي أنّ( السولافة) فيها إنّ ولكن. والأنكى من ذلك أنه لم يفتح تحقيق لا (بلين ولا بكين)؛ أي أنّ من يقف وراء تهريب هذه البواخر وأمثالها هم من العجول السمان( بَلا تشبيه) الذين يسعون ليل نهار إلى المقامرة في قوت الشعب وشرابه وصحته بإدخال ما فسد من طعام وغيره إلى السوق الأردنية. إن هؤلاء السماسرة وأمثالهم وأشياعهم ومريديهم يمثلون طبقة اجتماعية واقتصادية ومالية خاصة بهم، بأخلاقهم وسلوكاتهم ونفوذهم بعيدة البعد كله عن الطبقات الاجتماعية الطبيعية الصالحة في المجتمع، حيث قُيِّض لهؤلاء السماسرة أن يتكاثروا في أجواء العولمة والخصخصة ويتناسلوا، ومن بعد ينتشرون انتشار النار في الهشيم في مفاصل دوائر اتخاذ القرار هنا وهناك.
هربت الباخرة سور أو هرّبت وهي بحجم الطود أو أقل قليلا؛ فما بالكم بالصفقات التي بحجم توقيع وقد هرّبت والتي تفوح روائحها تحت الطاولة وفوقها لعديد المشاريع الخائبة والمشبوهة، أو التواقيع التي تباع فيها الأوطان وتشترى؛ فكل بقعة في هذا الوطن الغالي مهما صغرت مساحتها أو بعدت هي وطن بحد ذاته؛ فـ( الخشّة) التي تأوي فلاحا عفيفا وأسرته وطن، وبيت الصفيح الذي يستر عورة مواطن من الحرافيش وعائلته وطن، والخيمة التي تدفئ بدويا أصيلا وضيوفه وطن. وكما الفوسفات وطن فالبوتاس كذلك وطن، وكما البتراء وطن فإن البحر الميت وطن أيضا.
هربت الباخرة( سور) أم هرّبت بذرتها الفاسدة، أم يا ترى أنها اعتمرت طاقية الإخفاء بعد أن أفرغت حمولتها، فمن لديه القدرة على تهريبها وهي حاملة قادر على تهريبها وهي خاوية. ومن المؤكد تماما أن هناك من يتحمل المسؤولية سواء أهربت بعد أن استغفلت القائمين على متابعتها أفرادا أم مؤسسات، أم من ساهم بنفوذه وسطوته على تهريبها. متمنين أن نرى نتيجة التحقيق في أسرع وقت ممكن قبل أن يصار إلى( لفلفة) هذه الفضيحة التي تمس سيادة الأردن كدولة؛ فما تم تهريبه باخرة ضخمة وليس( كروز) دخان، وما تم تهريبه أو هربه باخرة تحمل على متنها ما يمس الأمن الغذائي والصحي للوطن والمواطنين كافة. والتهمة في هذه الحالة الفريدة تنحصر بين تقصير في حالة الهروب، أو خيانة في حالة التهريب، وفي كلتا الحالتين هناك من يتحمل المسؤولية، أو من يتحملونها؛ فردا أم أفرادا أم مؤسسات وشركات وغير ذلك.
يقول أحد المطلعين: إن قبطان السفينة ضلل المسؤولين وهرب، وإن حقوق الأردنيين لم تمسّ ماليا؛ ولكننا نقول: ألم تمس هيبة الأردن كدولة ذات سيادة!!
وهناك أسئلة استفهامية واستنكارية واستهجانية واستغرابية عديدة نأمل أن نجد لها جوابا في قادم الأيام، لعل وعسى أن يرى المواطن يوما يداس فيه أنوف من استرخص الوطن ليبيعه بثمن بخس؛ دراهم معدودة وغير معدودة، ضاربين بعرض الحائط كل ما يمت إلى الإنسانية وأخلاقها بصلة.