زاد الاردن الاخباري -
لدينا حالة إستثنائية هنا، رئيس وزراء يحاول تشكيل حكومة توافقية، يرضى بها اليمين واليسار، والليبراليون والمتشددون، وتضم حصصا جغرافية كاملة، وتمثيلا عشائريا مطلقا، ويشترط أن لا تضم وجوه سابقة "مستهلكة" وأن لا يحمل أي منهم جنسية مزدوجة، ويتمتعون بالنزاهة، ويحملون شهادات شعبية بالوطنية، يوافق عليهم الصغير والكبير، الموالي والمعارض، وتوافق عليهم العصابات واللوبيات والتحالفات ومراكز القوى، ثم يحصلون على ثقة مجلس نيابي لم يحصل على كامل ثقة الشعب، وأن يتم ذلك قبل يوم الأثنين، الذي يصادف حسب التوقيت المحلي لمدينة عمان، غدا.
لدينا حالة أكثر تعقيدا، لدينا شعب منهك جدا، مثقل بالأحمال والأعباء المتعبة، العاطلون عن العمل، بدون أي دخل، يشكلون حوالي 14%، وكذلك لدينا طبقة فقيرة مسحوقة تمثل حوالي 60%، لا يكفي دخل، من له دخل منهم، حتى الثاني من كل شهر، ثم طبقة متوسطة تتلاشى، لم يتبق منها أكثر من 30%، متأرجحة تعيش يومها فقط، و10% على الأكثر تمثل الطبقة شبه الغنية والغنية أو فاحشة الثراء، تستمع بالمزايا والصفقات والعطاءات والشركات والمناصب السياسية والإقتصادية والدبلوماسية والحكومية، تعلم أبنائها في أفضل المدارس والجامعات، ويجدون وظائفهم جاهزة فور تخرجهم، وتقضي الإجازات المتنوعة في بلدان متعددة، تشتري مستلزماتها الأساسية (سكر، رز، غاز، كاز، كهرباء، مياه) بنفس الثمن الذي يشتريه باقي فئات الشعب وتدفع ذات القيمة من الضرائب التي تدفعها الطبقة الفقيرة.
لدينا معادلة لا يمكن فهمها، بلد كبير بتاريخه وعطائه ومشاعر أبناءه وتعليمهم وثقافتهم لكنه فقير جدا بموارده الطبيعية، ليس لديه بترول ولا غاز ولا مياه، وعليه مديونية تتجاوز الـ إحدى عشرة مليار دينار، يعيش على المنح والهبات، وعليه مسؤوليات سياسية إقليمية كبيرة، ومسؤولية عظمى قومية تجاه الشقيقة الحبيبة فلسطين، وعليه مواجهة العدو الغاصب وعنجهيته وغطرسته وخداعه، وعليه مهادنة أمريكا والخليج وتركيا وإيران ومصر، ومطلوب منه في نفس الوقت أن يحظى بالإستقرار والديمقراطية الكاملة وأن يحارب داخليا الفساد والمحسوبيات وأن يرضي أبناء الشعب، واحدا واحدا، وأن يأتي برئيس وزراء يستطيع تشكيل حكومة توافقية لا يستطيع تشكيلها "الجن الأزرق".
بالطبع سوف تتشكل الحكومة غدا، وبالطبع سوف تبدأ الحرب ضدها قريبا، ولا أستبعد أن أكون واحدا من الذين يشاركون بذلك لاحقا، لأنني مثلكم جميعا، لدي مطالب كثيرة، ومطالبي مع مطالب كل واحد منكم، ستصبح بلاشك، في النهاية، جبلا من المطالب التي لا يستطيع تحقيقها توفيق أبو الهدى ولا وصفي التل رحمهما الله تعالى، ولا أحمد عبيدات وزكي بن رشيد ولا ليث شبيلات مجتمعين، وسنبقى مكاننا، نطحن بالماء، وكل 8 شهور سنطالب ونأتي بحكومة جديدة، ونعود إلى خط البداية خاسرين مصدومين مشوشين، لنبدأ من جديد، دون أن نصل يوما ..إلى خط النهاية.