زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - ما يقوله اليمين الإسرائيلي بإعلانه نيته دراسة عدم ضخ كمية المياه المتفق عليها للأردن هو حصراً ما حذر منه عشرات المرات سياسيون ومفاوضون كان من بينهم الدكتور دريد المحاسنة، عندما تحدث سابقاً لـ «القدس العربي» مشيراً إلى أن الإسرائيلي لا يلتزم أساساً بكل الاتفاقيات الموقعة، ولا يحتاج لذرائع إضافية حتى لا يستمر في الاحتيال على تلك الاتفاقيات.
بوضوح شديد، يناكف يمين إسرائيل مجدداً وبعد أقل من أربعة أيام فقط على توبيخ إداري ضمني في الإطار المرجعي أصدر توجيهاً لكل المسؤولين المحليين في عمان يقول إن أي محاولة للمماطلة والتأخر في إنجاز مشروع الناقل الوطني للمياه لن تكون مقبولة.
تراقب تل أبيب بنيات سلبية مسبقة كل صغيرة وكبيرة في المربع الأردني. والقول علناً، وفقاً لما كشفه البرلماني والناشط السياسي محمد الحجوج، بعد ظهر الخميس، بأن إسرائيل ستحجب كميات المياه رداً على ما تسميه بالعدوانية التي ترافق تصريحات بعض المسؤولين الأردنيين الكبار. ضمناً، لا تحتاج تل أبيب بوضعها اليوم لاختلاق ذرائع.
ما يقوله إعلانها عن المياه بوضوح أنها قررت معاقبة الأردن لأنه يعترض على حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، وذلك خطاب تتبني فيه زمرة تل أبيب الحاكمة على حد تعبير الحجوج، رسالة تشير إلى أن إسرائيل تريد أن تحصل بدون اعتراض أردني من أي صنف على مساحتها الكاملة في قتل الفلسطينيين وتدمير فلسطين المحتلة.
الأمر الذي يدخل فوراً في كل برمجيات الأردنيين إلى نطاق التماس والمس المباشر العميق بكل مصالح الدولة الأردنية. عموماً، لا يريد القوم في دوائر صناعة القرار الأردنية الإقرار بخطأ الحسابات مع إسرائيل في الماضي.
مفارقة مؤلمة
ومقولة الدكتور المحاسنة تعكس مفارقة مؤلمة، هي التي يتردد صداها سياسياً ووطنياً اليوم على أساس القناعة بأن حنفية المياه ينبغي ألا يوافق أحد عندما تكون خاصة بمنزله، على أن تبقى تحت سيطرة الجار السيئ. «لا أحد يترك حنفية المياه الخاصة به في حوش الجيران». ولا أحد يترك أصلاً محول الكهرباء الذي يزوده بالطاقة ولا أنبوب الغاز عند جاره المغتصب الذي يتحول الآن إلى مدرسة «اعترض تعطش» مع أن الكمية المخصصة من الجانب الإسرائيلي لا تعادل أكثر من 12 ٪ من احتياجات الأردن بالمياه.
كيف يتحكم «العدو القديم المتجدد» في حنفية المياه وأنبوب الغاز؟
تلك معادلة اكتشف الجميع اليوم أنها تنطوي على حسابات مغرقة في الخطأ وإن كان الاستدراك صعباً ومعقداً، لكنه ممكن خصوصاً أن شخصية معتدلة وتعرف توازنات المصالح الدولية مثل وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر سبق أن اعتبرت أن تسليم مفاتيح ملفات استراتيجية في الطاقة للإسرائيليين كان بالتأكيد سياسة تنطوي على أخطاء.
ما أثبتته تصريحات ما يسمى بهيئة البث العبرية بعنوان دراسة عدم تمديد اتفاقية المياه مع الأردن هو عملياً ما سبق أن حذرت منه الحملة التي رفعت وطنياً شعار «غاز العدو احتلال».
والأسباب التي يعرضها المسؤولون الإسرائيليون عن قرارهم الجديد بخصوص حجب حقوق وحصص الأردن في المياه تبدو وقحة أكثر من القرار نفسه، فهيئة البث العبرية اعتبرت السبب هو موقف عمان الرافض للحرب على غزة وعلى لسان كبار المسؤولين، وذكرت بالاسم وزير الخارجية أيمن الصفدي، وأيضاً الملكة رانيا العبد الله التي تحدثت مرتين كأم عن مجزرة الأطفال، ولا تمثل تصريحاتها في الواقع موقفاً رسمياً للحكومة.
والتلويح بحجب حصص الأردن اعتبر بمثابة خطوة ابتزاز علنية، لأن هيئة البث العبرية قالت إنها ستراقب كيفية تعبير الأردنيين في المستقبل القريب عن موقفهم تجاه الحرب، واستعرضت بعض التصريحات التي استندت إليها في التلويح، ومن بينها بصفاقة سياسية ملحوظة قول الصفدي إن بلاده ستفعل كل ما هو ضروري لمنع تهجير الفلسطينيين.
والقرار على الأرجح كان متوقعاً من جهة صناع القرار الأردني، والقاعدة التي يقودها التلويح بالإجراء الإسرائيلي هي رغبة اليمين الإسرائيلي في أن تصمت عمان إزاء القتل الجماعي والإبادة للفلسطينيين، وأن تل أبيب ستبدأ بمعاقبة الأردن إذا لم يصمت.
الصفدي «يدير الاشتباك»
وهو إطار رغم سعي وزير الخارجية الصفدي للحديث عن توازنات دقيقة في إدارة الاشتباك الأردني كما فهمت «القدس العربي» من الوزير شخصياً ومراعاة اعتبار المصالح، فإنه قد يلقى ترحيباً من جهة المشككين الموسميين والدائمين بجدوى وإنتاجية التطبيع، وما يحصل من تهديد هنا حتى برأي القطب البرلماني خليل عطية هو تأكيد على سلامة وصلابة ونقاء الموقف الأردني وثوابته.
عطية يجدد الثقة مرحباً بأي خطوة إسرائيلية تثبت للقاصي والداني أن الكيان المحتل كان ولا يزال وسيبقى عدواً للأردن والأردنيين. وما يلاحظه مصطادون في المياه أن صمت بعض الوزارات الأردنية عن عمليات تصدير للخضار إلى دولة الاحتلال بآلاف الأطنان لم يشفع للتوازنات الأردنية عبر التلويح الإسرائيلي بتهديد الأمن المائي الأردني عملياً وقبل أسابيع قليلة من مرحلة الربيع وبداية الصيف، فيما كانت حكومة تل أبيب قد هددت أيضاً أمن الطاقة الأردني بحجب ما كميته نصف المتفق عليه من واردات الغاز للأردن.
الوضع عموماً يزداد تعقيداً بين الأردن وإسرائيل، وما تطالب به تل أبيب بخصوص تصريحات الأردن عن المجزرة وحرب الإبادة يدخل في باب المستحيل ليس أخلاقياً فقط ولكن لمنع ما هو أسوأ في الداخل الأردني خلافاً لأن الجانب الإسرائيلي بدأ في المياه والغاز يمارس الابتزاز، ونتحدث هنا عن ابتزاز للمواقف السياسية الرسمية مقابل خدمات تطبيعية اتفق عليها في الماضي.
معادلة صعبة ومعقدة من الصعب أن تلفت فيها التوازنات الأردنية نظر اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يوصف بأنه لم يعد يشبع، ويمارس حملة ردح وعقاب لجميع الدول العربية المعتدلة.
وفي الخلاصة، يستمر الامتحان والاختبار، وحكومة عمان ينبغي ألا تغرق أكثر في الأوهام؛ فقد تم تدبير إجراءات بديلة عن الغاز المحجوب.
والمطلوب لتصليب وتقوية الموقف السياسي للمملكة وفقاً لتعبيرات وزير المالية محمد العسعس، ليس فقط زيادة مخصصات الدفاع والأمن، بل الرد على تل أبيب بتوفير الاحتياط السريع وقبل الصيف للمياه… هنا يكمن التحدي.
«القدس العربي»