لم نصل بعد إلى ذروة الحرب، وهذه حرب تختلف عن سابقاتها، وذروة الحرب هنا ليست نهاية العام الحالي كما يسرب الإسرائيليون، بل قد تمتد إلى ما بعد ذلك وفقا للواقع الميداني.
دخلت الحرب شهرها الثالث، وربما هذه أطول حرب إسرائيلية عربية، يتم فيها توظيف عنوان الحرب على فصائل فلسطينية، للانتقام من الشعب الفلسطيني، وإعادة تموضعه في فلسطين، أو جوارها، وما نراه يمكن عنونته بعنوان واحد، أي تحويل قطاع غزة إلى قطاع غير صالح للحياة، أبدا، حتى لو افترضنا مجرد افتراض، وقف الحرب، وبدء مشاريع الإعمار في القطاع.
السبب في ذلك أن حجم التدمير أكبر من حروب كبرى بين جيوش، تدمير المساكن كليا أو جزئيا، تدمير الشوارع، المدارس، المستشفيات، القطاع التجاري، شبكات الماء والكهرباء، مراكز الإيواء، مؤسسات الأمم المتحدة، المساجد، الكنائس، المؤسسات الرسمية، الجامعات والكليات، وهذا يعني أن لا مدن ستبقى صالحة للحياة، مع حشر مليوني فلسطيني، في مناطق الجنوب، وسط مناخات البرد والشتاء، حيث ينام كثيرون في الشوارع، ويتوزع آخرون على معارفهم وأقاربهم، ويستأجر فريق آخر إذا توفر لديه المال، غرفة هنا، أو شقة بأحسن الأحوال.
الغطاء السياسي الدولي الممنوح لإسرائيل يتجاوز هنا، فكرة الحرب على فصيل عسكري، وهذا على ما يبدو غطاء سياسي، لتحقيق أهداف أخطر، لم تتضح بعد، وستنكشف لاحقا.
دعونا فقط نتأمل المخطط، بدأت الحرب على شمال قطاع غزة، مع إخلاء مواطنيه وتهجيرهم إلى الوسط حيث دير البلح وخان يونس وعبسان، وبعد أن ضعفت الحرب البرية على شمال القطاع، تمت ملاحقة الناس إلى الوسط، والعمليات الآن جارية في الوسط، والمعارك تشتد، والانتقام من الأبرياء يتواصل، والذريعة هي ذاتها، أي البحث عن فصائل فلسطينية في الوسط، وفي مرحلة ثالثة مقبلة على الطريق، سيتم توسعة الحرب في الوسط، لإجبار النازحين من الشمال، وسكان وسط القطاع للهجرة إلى رفح، بحيث يتكدس أكثر من مليونين وربع مليون فلسطيني في منطقة ضيقة جدا، تكون مآلاتها إما الضغط للتهجير إلى مصر، أو فصل ثلاثة أرباع القطاع، ومصادرة أرضه، وتحويله إلى منطقة عازلة، وترك كل هذه الأعداد في الجنوب، دون حياة طبيعية، أو أمن واستقرار، أو اقتصاد، أو تعليم، أو علاج، ودون أي أفق.
أغلب بيوت القطاع تهدّمت، أو تضررت جزئيا، أو بقيت موجودة لكنها معرّضة للسقوط في أي لحظة، فمن الذي سيتمكن من العيش فيها، ونحن أمام مذبحة شملت البشر والحجر والشجر.
وسط هذه المناخات يتحدث الكل عن وقف الحرب، لكن على ما يبدو أن كل الخسائر البشرية، من وصول الشهداء إلى أكثر من 22 ألف فلسطيني، إذا زدنا عدد المفقودين ومن هم تحت الأنقاض إلى الأعداد المعلنة، ومع وجود أكثر من 50 ألف جريح، أغلبهم بلا علاج، ومع وجود إصابات تركت أثرا حادا على أجساد الأحياء، وتعرض الغزيين إلى القتل البطيء بسبب تفشي الأمراض المعدية، وقلة العناية الصحية، وندرة المياه، وتفشي الفيروسات، والبرد المؤلم، فإننا نكون أمام أكبر مذبحة شهدتها البشرية، وتحظى بأحد حالين، إما التغافل أو القبول.
كل هذا يقول مع بقية الملفات في الضفة الغربية والقدس، وما يجري في الإقليم، من تحشيدات عسكرية، والمؤشرات من جنوب لبنان، وسورية، والعراق، واليمن، وما يجري في البحر الأحمر بشأن الملاحة، إننا نذهب إلى توقعات مفتوحة، وعلينا أن نفتح عيوننا جيدا، فنحن لسنا أمام مجرد حرب تتدخل بها دول العالم، وتوقفها، بل إن إسرائيل تمضي وتتورط أكثر نحو مصير غامض، برغم كل هذا الدعم، وهذا التوحش، والدموية التي نراها كل دقيقة وثانية، بما يجعلنا، أيضا هنا، نضع كل الاحتمالات للنقاش، حول النهايات، وإذا ما كانت الحرب ستتوقف فعلا، أم أن غزة مجرد قدحة شرار ستشعل كل الإقليم الغافي فوق براميل بارود لاعتبارات مختلفة.
التحليل العميق للمشهد، يقول إن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها، سواء بسبب كلفتها اليومية، أو بسبب تأثيراتها الممتدة داخل فلسطين، أو مهدداتها على جوار فلسطين، أو تداعياتها الإقليمية والدولية، وما يرتبط أيضا بمصير إسرائيل ذاتها، وديمومة وجودها وسط منطقتنا.