هي الحرب، هذا هو الهدف والعنوان الإسرائيلي الذي تصر عليه حكومة اليمين المتطرفة، دون الأخذ بأي اعتبارات، وعلى ما يبدو جليّا دون الأخذ أيضا بجغرافيا محددة على الأراضي الفلسطينية، فهي ماضية دون توقف، ودون الأخذ بجوهر الهدنة على أرض الواقع، فآلات حربها تتسابق في الأراضي الفلسطينية، مبتعدة كل البعد عن جعل السلام والهدوء يلتقط أنفاسه في الشارع الفلسطيني سواء كان في غزة أو الضفة الغربية.
وفيما احتفى العالم أمس باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تسجّل التقارير والدراسات الفلسطينية آلاف الانتهاكات وجرائم الحرب على مواطنيها، وجرائم حرب ومجازر وإبادة، ليكون التضامن وإن كان مجرد عنوانا رمزيا ليشعر الفلسطينيون أن هناك من يقف معهم، يكون برائحة الموت واللون الأحمر، سيما ونحن نرى مجازر غزة تمتد لباقي مدن فلسطين، فما حدث أمس في جنين وفي يوم التضامن مجزرة حقيقية تزيد من مساحات ظلم الأهل في الضفة الغربية، وتجعل منها حربا مستمرة تصرّ عليها إسرائيل لا تتوقف ولن تتوقف وفقا لما هي ماضية به.
هي مناسبات كثيرة تزدحم بها أجندات العالم خاصة بفلسطين، ولكن للأسف رغم كثرتها إلاّ أن الوصول لحلول عادلة لهذه القضية التي أكد جلالة الملك دوما على أنها «مركزية»، منعدمة، وتبدو في أحيان كثيرة مستحيلة، وبرز ذلك خلال الخمسين يوما الماضية من حرب الإبادة والمجازر التي شنها الاحتلال على الأهل في غزة، ما جعل منها مدينة الموت بحرفيّة الواقع والحقيقة، وعلى الرغم من وضوح ما حدث وما يحدث وأنه لا يحتاج عينا زرقاء اليمامة لترى بشاعته، إلاّ أن شيئا لم يحدث، فيما برزت ردود فعل على استحياء من البعض، ردود فعل بعيدة عن أي إجراءات عملية، تدور في فلك الكلمات وبعض الخطابات على بعض المنابر، ليبقى صوت الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني هو الأعلى والأكثر جرأة بالمواقف لمواجهة ما حدث.
يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، ليس يوما نضيفه لأجندة مواعيد هذا العالم، المزدحمة بغيره من الأيام والتواريخ المرتبطة بمناسبات مختلفة، إنما هو يوم على العالم التنبه لفلسفة وجوه، بتغير واقع الحال الفلسطيني بحمايته وإحقاق الحق، ومنحه حقوقه العادلة، وبوضع صيغة حقيقية تجعل من التضامن عمليا واقعيا، يعيشه الفلسطينيون لا أن يكون كباقي أيامهم المثقلة بجرائم الاحتلال وظلمه ومجازره.
التاسع والعشرون من تشرين الثاني، يكرر ذاته عاما بعد عام، بل يزيد من طين الوجع والظلم وجرائم الاحتلال بلة، وهذا العام يأتي في وقت يرتكب به الاحتلال جرائم حرب وإبادة لم تشهد مثلها البشرية في تاريخ حروبها، ما يجعل منه يوما صامتا، يرحل وكأنه لم يأت، إذ ما يزال الاحتلال يصر على أنها الحرب، ولا سلام ولا هدوء ولا هدنة، فهو يوم لم يحرّك ساكن صمت العالم لما يحدث في فلسطين، فهو تضامن صامت.