زاد الاردن الاخباري -
أثار اللقاء الذي جمع الملك عبد الله الثاني مع عدد من المثقفين والكتّاب بداية الأسبوع الحالي لنقاش الهوية الوطنية جدلاً في الأوساط الثقافية في ضوء اتهام كتّاب أردنيين تيارًا من السياسيين بالتنسيق مع السفارة الأميركية لإقامة "وطن بديل" للفلسطينيين في الأردن، معتمدين على التسريبات الأخيرة التي نشرها موقع ويكيليكس.
وبحسب "الجزيرة نت" رفْض الملك فكرة الوطن البديل ودعوته إلى بلورة هوية جامعة، لم تُنه أحاديث المثقفين والنخب السياسية، خاصة أن أحد حاضري اللقاء مع الملك تحدّث عن وجود هويتين للأردن: أردنية وفلسطينية، وليس هوية واحدة.
العلاقة مع إسرائيل والصراع معها أو السلام ساهم في إثارة جدل واسع حول مفهوم الهوية الأردنية وتعريف الأردني، ويبدو أن الانشغال عن مواجهة مشاريع الاحتلال وتعثر الإصلاح في الأردن ساهما في تعزيز الهويات الفرعية وتكريسها في المجتمع.
هوية لم تتشكل بعد
ولا يعتقد رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين موفق محادين، أن الأردنيين والفلسطينيين "قد بلوروا مفهومًا للهوية، وهم لا يزالون في دائرة يمكن وصفها بالخصوصية، وهي أقل أهمية بالمعنى الاجتماعي والمعرفي من مفهوم الهوية".
محادين، الذي لم يُدع إلى لقاء الملك، يرى أن الهوية في حقل الاجتماع السياسي تحتاج إلى نطاق قومي واسع، فهي مفهوم يستغرق الأمة، في حين أن الخصوصيات تتناول الكيانات القطرية السياسية.
وإزاء خصوصيتين سياسيتين، إحداهما فلسطينية وأخرى أردنية، يعتقد محادين أن العلاقة الأردنية الفلسطينية تزداد إشكالية في إطار الخصوصيات، وتصحيحها يتم باستعادة البعد القومي للهوية، مشيرًا إلى أن الخصوصية تولّد الكراهية بينما تنتج الهوية الاختلاف بين المنتمين إليها.
ويضيف صاحب كتاب "انتحار دولة"، الذي تمنعه الرقابة الأردنية حتى اليوم، أن "المفهوم العام للهوية يحتاج مجتمعًا مدنيا ناضجا وهو غير متحقق في الأردن، إذ يعيش مواطنوه بوصفهم جماعات لها خصوصيات تتصادم في مجتمع ما قبل الرأسمالية، واندماج هذه الجماعات شرط أساسي لبلورة الهوية".
شرط غائب
ويشير الأكاديمي والمفكر المعروف هشام غصيب في حديث للجزيرة نت، عقب مشاركته في اللقاء الأخير مع الملك، إلى مداخلته التي دعت إلى ضرورة صون السيادة الوطنية ومنع القوى المتنفذة في المنطقة والعالم من التعدي عليها.
ويلفت غصيب إلى أهمية ما تحدث به في سياق تسريبات ويكيليكس، التي "بينت بجلاء أن ثلة من المسؤولين الأردنيين تآمروا على السيادة والدولة الأردنية مع السفير الأميركي عبر التحريض على الأردن دولة وشعبًا".
وأثار غصيب، الرئيس السابق لجامعة الأميرة سمية، قضية استمرار تجنيس الفلسطينيين، "الأمر الذي يُستغل من جانب العدو الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن".
وبحسب غصيب فإن "الفكرة الأساسية التي برزت في هذا اللقاء تتمثل بأن الهوية الأردنية هوية وطنية جامعة بعيدة عن ضيق الأفق والشوفينية، وأنها جزء لا يتجزأ من الهوية العربية الكبرى، وهي أيضا هوية عصرية منفتحة على الشعوب وعلى العالم".
حديث "الهوية الجامعة" حمل رسائل من الملك إلى المجتمع الأردني في وقت انشغلت فيه الصحافة الأردنية بسجالات ويكيليكس، كما أثيرت قبلها بفترة وجيزة، الاتهامات بين طرف يرى أن دعوات الإصلاح في المحافظات تقودها "قبائل" تسعى إلى استعادة نفوذ حجمته الدولة الأردنية، وبين طرف آخر يشكك في صمت النخب من ذوي الأصول الفلسطينية إزاء الدعوات المتواصلة لإقامة الوطن البديل.
إشكالية النشأة الحديثة
ووفق أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك عبد الحكيم الحسبان، فإن ذلك مرتبط بإشكالية النشأة الحديثة للأردن ودولته، وبحداثة ارتباط سكان الأردن بنظام سياسي مركزي، بل وشديد المركزية، لم تتح له الفترة الزمنية الكافية حتى يصنع هوية جامعة لسكانه ذوي الهويات المختلفة وربما المتصارعة.
ويؤكد الحسبان أن الدولة لم تمتلك إستراتيجية واضحة لصناعة وصياغة هوية وطنية واحدة، وأن إشكالية الهوية في الأردن تتعلق بمجموعة من العوامل التاريخية، والسياسية، والجغرافية، والجغرافية السياسية، وقبل ذلك بالعوامل الإيكولوجية، إذ عمل تنوع النظم الإيكولوجية (صحراء ممتدة لا تسمح إلا باقتصاد الرعي، وجبال وسهول شبه جافة تسمح بالاستقرار والفلاحة) على خلق هويات مختلفة (من بدو، وشبه بدو، وفلاحين وساكني مدن).
ويلفت إلى أن علاقة الأردن مع العالم العربي ومع العالم الإسلامي تساهم في تزايد الضبابية في مفهوم الهوية بحيث يمكن الحديث بسهولة عن "هرم للهويات" في الأردن يقترن بالسياق وباللحظة التي يعيشها الفرد، فهو كائن فرد في لحظة ما قد تكون اقتصادية أو سياسية أو دينية، لكنه في لحظة أخرى ليس بفرد، بل هو ابن لعشيرة، وهو ابن الشمال أو الجنوب في لحظة مختلفة، وكذلك هو ابن جماعته الدينية، غير أنه في لحظة أخرى يعدّ نفسه أردنيًّا، وفي لحظة لاحقة هو عربي ومن ثم مسلم.
الجزيرة نت