ماذا عساني أقول ؟ سوى شكرا يا كوريا
الكاتب : منتصر بركات الزعبي
Montaser1956@hotmail.com
إنّ مما هالني وأسر فؤادي وألهب مشاعري الخبر المنشور عبر وسائل الإعلام المختلفة والذي يقول : ( قبل أيام حدث شيء مفاجئ مسّ الديانة ألإسلاميه , تسبب بحدوث فوضى عارمة في وزارة الإعلام الكورية والتي لم تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك, بل قامت بوضع عقوبات صارمة لمن يسيء إلى أي ديانة ويمسّها ! هذا الموقف أثار الكثير من العلماء والباحثين في علوم سلوك الجماهير وأخلاقيات الشعوب حيث كتب الكاتب البريطاني من قناة أل BBC الدكتور - ريتشارد ببرنارد - في مقاله المشهور بعنوان : [ لِمَ أعشق كوريا ؟ بينما لا أحب إنجلترا التي تسري في دمي ! ]يقول الكاتب : بُثت حلقة من البرنامج المشهور [ ستار كينغ ] في 13/8/2011 الذي هو عبارة عن برنامج مواهب , يستضيف جميع الموهوبين من جميع أنحاء العالم , وبعد الاستضافة يوزّعون للوكالات والشركات لتتبنى مواهبهم , المشكلة ليست بالبرنامج , المشكلة أنهم استضافوا ضيفاً من هونج كونج الصينية , وقد اتضح انه موهوب بالغناء والتمثيل , وبعد أن قام بغناء أغنيه , قام بخلع ملابسه ليفاجئ الجمهور بارتدائه الثوب والشماغ العربي وممسك بلعبة على شكل بندقية وَجَّهها مباشرة إلى مذيع البرنامج ليهاجمه بها ممثلا بذلك رجل عربي مسلم يحاول القتل ! وهنا يتساءل كاتب المقال :هل بقي البرنامج يُبَث حتى انتهائه وهو لا يزال في بدايته ..؟ هل ضحك الجميع وصفق لمهارات الرجل ..؟بالتأكيد هذه الأشياء ستحدث في بلادي ( انجلترا ) وبعض البلدان المجاورة ولا أخفيكم أنني رأيتها في بلاد المسلمين ، ولكن ما حدث بعد ظهور الرجل بالبرنامج هو قطع بث القناة بأكملها من الأقمار الصناعية!!وبعد " 7 " دقائق ( فقط ) ظهر رجل أنيق جالساً على كرسي من الجلد الفاخر وطاولة عليها مفرش أبيض منمّق ، يعتذر بلهجة رسميه صارمة عما حدث , وأنهم مخطئين وسوف يُصلِحون هذا الخطأ. اتضح فيما بعد أنه وزير الإعلام الكوري يعتذر للمسلمين كافة عن هذا الخطأ , وألقى باللوم على ثقافة الضيف القليلة اتجاه الديانة الإسلامية ، أما اعتذاره الثاني فقد وجهه للمملكة العربية السعودية لاستخدامه زيّهم بشكل غير لائق . في سبع دقائق استطاع الوزير أن يعقد اجتماعا طارئا ويسن القوانين ويضع العقوبات اللازمة لحل هذه المشكلة الكبيرة في رأيه ، فقد وجّه الاتهامات التالية:• انه تصرف بشع!• اتهام لشرف المسلمين!. • أن الأطفال سيصدقون ذلك! إلى هنا انتهى الخبر . بداية أقول : إن الوطن العربي مُبتلي , وعلى مرّ السنوات بكثير من البلايا , وألوان من الرزايا , ومن أعظمها شررا وأكبرها خطرا , عندما يُبتلى الوطن في بعض أبنائه , ويُفجَع في فلذات أكباده , ممن يريدون تفخيخ العقول والقناعات , وزعزعة الثوابت والتشكيك في المسلّمات , من شياطين الفن والإعلام والسياسة ,من المهرجين والطبالين والزمّارين والمستنفعين والمتملّقين لعواطفه , ممن لا شرف عندهم ولا خلق , ممن أساؤا لهذا الدين وشوّهوا صورة خير امة أخرجت للناس , وكانوا وسيلة تدمير لكل القيم والمبادئ , ممن ينضح بالرجس والدنس كأنما كُتب على هذه الأمة , , أن تتلقى الدعوة إلى الفضيلة من دنس المواخير , وبألسنة الدعارة ,وبنغمات المخانيث , وما حصل مع الصيني ما يؤكد ذلك ,ويزيده تأكيدا ما يأخذه كاتب المقال علينا معشر العرب والمسلمين عندما قال : (ولا أخفيكم أنني رأيتها في بلاد المسلمين ) أين رآها ؟ أليس من المسلسلات والأفلام والدعايات التي تعرضها الفضائحيان العربية , وسكوت النظام السياسي العربي عمّا يُعرَض من تشويه لصورة العربي المسلم النقية , ولهذا أتساءل أين الدبلوماسية العربية , ودور السفراء العرب الممثلين لبلدانهم ؟ إنْ لم يثرهم هذا الموقف الذي أثار الكثير من العلماء والباحثين في علوم سلوك الجماهير وأخلاقيات الشعوب , فأي شيء يثيرهم ! الم يكن من الأولى أن يهبوا من فورهم لتقديم الشكر إلى وزير الإعلام الكوري على موقفه النبيل ؟ وأظن أن هذا الأمر لا يعنيهم , بقدر ما يعني الكاتب الصحفي ريتشارد ببرنارد البريطاني الأصل , لشكر الوزير على موقفه الشجاع وإبداء محبته لكوريا الراقية أكثر من محبته لبلاده . ومَعَ مَا اتَّصَفَ بِهِ النظام السياسي العربي اليَومَ مِن جُحُودٍ وَأَثَرَةٍ وَحُبٍّ لِلذَّاتِ وَنُكرَانٍ لِلجَمِيلِ وخذلان للأمة ، إِلاَّ أَّن لُؤمَ مَن جَحَدَ وَقِلَّةَ مُرُوءَةِ مَن صَدَّ، لا يَمنَعُ كَرِيمًا مِن مَدِّ يَدِ المَعرُوفِ ِأياً كان ، وَلا سِيَّمَا ممن كَانَ قَادِرًا عليه ؛ فَإِنَّ الله لا يَضِيعُ لَدَيهِ مَعرُوفٌ , وَلا تَذهَبُ عِندَهُ صَنِيعَةٌ سُدًى , وَإِنَّهُ مَا مِن أَحَدٍ في هَذِهِ الدُّنيَا إِلاَّ وَعَلَيهِ مِنَ الفَضلِ لِلآخَرِينَ نَصِيبٌ ؛ إنْ هُوَ حَفِظَهُ كَانَ ذَا دِينٍ وَعَقلٍ وَمُرُوءَةٍ ، وَإِن هُوَ ضَيَّعَهُ كَانَ لَئِيمًا خَسِيسَ الطَّبعِ قَلِيلَ الدِّيَانَةِ ، وَقَد أَمَرَنَا اللهُ تَعَالى في كِتَابِهِ الكَرِيمِ أَلاَّ نَنسَى الفَضلَ لمن يبذله ، وَدَعَانَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِلى شُكرِ الجَمِيلِ, وَلَو كَانَ قَلِيلاً وَقَرَنَ شُكرَ اللهِ بِشُكرِ النَّاسِ، وَرَغَّبَ في المُكَافَأَةِ عَلَى المَعرُوفِ ، وَحَذَّرَ مِن نُكرَانِ الجَمِيلِ وَكِتمَانِهِ ، أو كُفرِهِ وَتَنَاسِيه واحتقاره . قَالَ : - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : ( مَن لم يَشكُرِ القَلِيلَ لم يَشكُرِ الكَثِيرَ، وَمَن لم يَشكُرِ النَّاسَ لم يَشكُرِ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ – ) معنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى , لَا يَقْبَلُ شُكْرَ الْعَبْدِ عَلَى إحْسَانِهِ إلَيْهِ , إذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَشْكُرُ إحْسَانَ النَّاسِ, وَيَكْفُرُ أَمْرَهُمْ وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : ( وَمَنْ آتَى إلَيكُم مَعرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لم تَجِدُوا فَادعُوا لَهُ حَتَّى تَعلَمُوا أَنَّكُم قَد كَافَأْتُمُوهُ )وَقَالَ : - صلى الله عليه وسلم - : ( مَن أُعطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجزِ بِهِ، وَمَن لم يَجِدْ فَلْيُثنِ، فَإِنَّ مَن أَثنى فَقَد شَكَرَ، وَمَن كَتَمَ فَقَد كَفَرَ ) . وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : { مَنْ أَتَى إلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيُكَافِئْ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَذْكُرْهُ فَمَنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ } . . امتثالاً لأمر الله- تبارك وتعالى - ، وتنفيذًا لوصية رسوله - صلى الله عليه و سلم - رأيت من الواجب عليّ أن أرفع مَعَرَّةَ اللُّؤمِ وَخَسَاسَةِ الطَّبعِ عن أنفسنا ؛ لأننا في زَمَنٍ تَرَاجَعَ فيه كَثِيرٌ مِن أَهلِ الفَضلِ عَن بَذلِهِ ، بَل وَصَلَ الأَمرُ يبعضهم إِلى عَدَمِ التَّفكِيرِ فِيهِ أَبَدًا، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا نَالَهُم مِن لَدْغَاتِ الجَاحِدِينَ ، وَلِمَا اكتَوَوا بِهِ مِن غَدَرَاتِ المُتَنَكِّرِينَ . لأ تقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لوزير الإعلام الكوري على موقفه النبيل والشهم والذي تمثل باحترامه الشديد لدين الله ولأمة خير الأنام محمد – صلى الله عليه وسلم – فليس عجبا أن يصدر هكذا موقف من رجل بهذا المستوى الرفيع والذي حمل على عاتقه شرف وأمانة المسؤولية في دولة متقدمة راقية تحترم نفسها وغيرها , لَوْ كُنْتُ أَعْرِفُ فَوْقَ الشُّكْرِ مَنْزِلَةً أعْلَى مِنَ الشُّكْرِ عِنْدَ اللَّهِ فِي الثَّمَنِإِذًاً مَنَحْتُكَهـــــــــا مِنّي مُهَذَّبَةً حَذْوًا عَلَى حَذْوِ مَا أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنِ قَالَ سلَيْمَانُ التَّمِيمِيُّ – رحمه الله - : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْعَمَ عَلَى عِبَادِهِ بِقَدْرِ طَاعَتِهِمْ وَكَلَّفَهُمْ مِنْ الشُّكْرِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ ، فَقَالُوا : كُلُّ شُكْرٍ وَإِنْ قَلَّ ثَمَنٌ لِكُلِّ نَوَالٍ وَإِنْ جَلَّ . وفي الختام , وبفيض من التقدير والاحترام , ومرة أخرى أشكر وزير الإعلام الكوري على موقفه النبيل في حين تخاذل عنه أهله .