رحم الله شكري القوتلي :
قيل بعد ضياع الأندلس أن أحد زعمائها قد عاد للإقامة في سوريا ، باعتبارها مهد الدولة الأموية ، التي انطلق منها قبل عدة قرون صقر قريش ، في طريقه الى المغرب العربي ومن ثم الى جبل طارق حيث أسس دولة الأندلس .
الزعيم الجريح شعر حينها بعظم الخسارة والمهانة ، وابتدع بديلا للعمامة غطاء للرأس على شكل كوفية وربطه بعصبة سوداء كرمز للحداد والشعور بالأسى وأقسم أن لايتخلى عن هذا الرباط إلا في الأندلس بعد تحريرها .
ومن ذلك اليوم لهذا اليوم لم تحرر الأندلس وضاع بعدها اندلسات أخرى ، وتغير مدلول العصبة السوداء وتحولت الى عقال أشتهر كثيرا و تبدل لابسوه ، حتى اصبح رمزا للريف والبادية وأحيانا للترف والرخاء ، بدلا عن رمز الحداد والإصرار على التحرير.
اليوم عادت العصبة السوداء للظهور من جديد في شوارع سوريا ، ولكنها ليست عصبة أحفاد إبن الأحمرالذي ضاع مجده في الأندلس وإنما هي عصبة الأمهات اللواتي ثكلن ابنائهن في المظاهرات نتيجة القصف المدفعي وأفعال القناصة.
مسكين هو الإنسان العربي اينما كان ، فكلما علا صوته في طلب الحق حان أجله ، حتى ولو استسلم آخر المطاف ، و جعل لنفسه عصبة بيضاء لا سوء فيها ولا سواد، فسرعان ماتقصفه سلطة بلاده وحلف الأطلسي معا كما حدث و يحدث في ليبيا واليمن وسوريا ، وقبلها كان قطع رؤوس الشيوخ والنساء والأطفال بالمدى والفؤوس في القرى الجزائرية ، فإلى متى سيبقى هذا الإنسان وبلاده مسرحا للدمار وارتكاب الفظائع ؟.
في الأمس القريب وليس البعيد ، كان زعماء هذه الدول وغيرهم ممن سقطوا أشد حلفاء الغرب وأعوانه المخلصين ، وقدموا له خدمات جلى على حساب مصير بلادهم ، ما كانوا ليحلموا بتحقيقها سلما أو حربا لولا جهود هؤلاء التابعين ، فمالذي دهى الغرب للتخلص منهم ودفعهم لقمة سائغة لشعوبهم الناقمة ؟ وماهي ملامح الخطة المرسومة لنا من بعدهم ياترى؟
صحيح ان الغرب قد اعتاد الغدر بأعوانه وتبديلهم بسهولة حسب الخطط الموضوعة لمستقبل فرائسهم ولكن هؤلاء المستبدلون قسرا لماذا يتمسكون حتى اللحظة الأخيرة بتحدي شعوبهم حتى ولو أدى هذا التحدي الى تدمير ماورائهم ؟
رحم الله الرئيس السوري شكري القوتلي الذي وضع سابقة في التاريخ العربي الحديث عندما زهد بالسلطة وتنازل عن رئاسة الجمهورية من أجل الوحدة مع مصر ، ولكن هل كررها أو يكررها أحد من بعده في سوريا من أجل الحفاظ على الوحدة بين أبناء الشعب .
وهل يا ترى لو كان شكري القوتلي حيا يرزق وشاهد الملايين وهم يطوفون شوارع المدن السورية للمطالبة بنقل السلطة الى الشعب ، يتنازل عن الحكم راضيا مطمئنا لمستقبل بلاده وهي بأيدي أبنائها ، ام يسعى لتدميرها وتدمير من فيها لأجل الحفاظ على السلطة ؟
لقد فاتت الفرصة على الأنظمة التي لم يعد فيها حرمة لدماء ابنائها في رمضان أو غير رمضان، رغم انه كان بمقدورها استقطاب قلوب ابناء شعوبهم وجعلهم يلتفون حول الحاكم ويفتدونه بأنفسهم لو عدلوا وأخلصوا لشعوبهم وحققوا شيئا معتبرا من مصالحهم وقديما قيل في عمر : عدلت فأمنت فنمت .
almomanilawyers@hotmail.com