زاد الاردن الاخباري -
المضمضة بالإصلاح
الأستاذ عبدالرحمن الدويري
منذ نعومة الأظفار كان الأهل يشجعوننا على الصيام، فنتحايل على العطش بالمضمضة، نكررها مرات ومرات طيلة النهار، ونحن نكابد، حتى ياذن اللهُ، ويأتي بالفرج صوتُ المؤذن.
حكومتنا العتيدة تمارس معنا ذات النهج في عملية الإصلاح، فهي تمضمضنا بوعود الإصلاح منذ تشكيلها في أوائل آذار الفائت إلى الآن، ويبدو أن المؤذّن الذي ينتظره ظمأى الإصلاح غارق في لذيذ نومه، أو أنّه -وبفعل فاعل- أُدخل سردابَ الغائب المنتظر، ولا أمل في خروجه ليأتي بالفرج الذي يزيل اللوعة ويروي الغليل.
لا أكون مبالغا إذا قلت إنّ الحكومة إلى الآن تبخل علينا حتى بهذه المضمضة، بل على العكس فإن جملة الأداءات والتداعيات تؤكد أنه لا نية عندها بالإصلاح، ولا بما يمتّ إليه بصلة.
فنبرة خطابها مستعلية مستخفّة بعقول الأردنيين ، ولجنة الحوار تعيش حالة من عسر الهضم، وقانون الانتخاب ولد ميتا، والتعاطي مع ملفات الفساد يشكل عنصر استفزاز دائم.
والحكومة تتعرض وبشكل يومي لعمليات الحت والتعرية بفعل المؤثرات الخارجية، تُعالج بعمليات ترميم واستصلاح لتطيل من عمرها قليلا.
والتفكير بالعضلة بدل المخ هو الحاكم عليها في محطات مخجلة مضت، ومؤشرات التكرار للأخطاء في التعامل مع المعارضة في المستقبل كثيرة وكبيرة، في ظل مؤشرات التصعيد في الحراك الشعبي.
حكومة البخيت منذ تعيينها كانت رسالة بالخط العريض من النظام إلى الشعب مضمونها: هذا هو الإصلاح عندنا، تمضمضوا به حتى تعبر الموجة، وينتهي الموسم، ثم يموت الأمل بالصلاح ويفطر الشعب على بصلة.
لقد جسّدت السياسة الإصلاحية - بأعلى مستوياتها في البلد -حالة من البخل والشح، تُوازي ما ذكره أحدهم، وقد زار بخيلا لم يغنِ عنه شيئا، فقال شاكيا ما صارت إليه حاله معه:
أبا أيوب أتيتُ إليه يوما ........ فغدّاني برائحةِ الطعامِ
وقدّم بيننا لحما سمينا ........ أكلناه على طبق الكلامِ
فلما أن رفعت يدي سقاني ......... كؤوسا حشوها ريح المدامِ
فكان كمن سقى الظمآن آلا (سرابا) .......... وكنت كمن تغدى في المنامِ
أقول إن المبالغة بالمضمضة مكروهة، وربما أبطلت الصوم، تماما كما قد تبطل المضمضة بالإصلاح حالة ضبط النفس عند الجماهير المتعطشة لحياة مدنية حقيقية تعيد الحقوق لأصحابها، وترفع العناء عن كاهل المواطن، وتوقف سيل الفساد، وتقطع دابر التداخلات والتجاوزات في إدارة الدولة، وتكفل للشعب كرامته، وتُهدّئ من ثورته حين يرى الفاسدين وراء القضبان في قبضة العدالة.
ولا يفوتنا أن نذكّر أنّ للمضمضة فائدة أخرى بعد الطعام، إذ تنظف الفم، وتنقيه عوالقه، وأعتقد أن الشارع الأردني شبع وعودا لا طعم لها، وضاق فم صبره عن تحملها، وعنده رغبة ملحة بالمضمضة، فهل عليه لوم لو تمضمض ألقى بالحكومة، والوعود معا في مغسلة الأحلام التي عاشها منذ بدء مأدبة الإصلاح الوهمية إلى الآن؟؟!!!!!