أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
3 إصابات بتدهور قلاب في عجلون سموتريتش يعترض على تعيينات الجيش ويطالب نتنياهو بالتدخل انطلاق الورشة التدريبية الدولية حول تحقيق أهداف التنمية المستدامة مؤشرات الأسهم الأوروبية تغلق على انخفاض أكثر من 250 منظمة حقوقية تدعو لوقف نقل الأسلحة لإسرائيل الفيصلي يواصل تحقيق الانتصارات الكبيرة في الدوري ويقلص الفارق مع الحسين اربد 1900 معتقل في احتجاجات الجامعات الأميركية مديرة المخابرات الوطنية الأميركية: الحرب في غزة ستحدد مستقبل المنطقة وزارة الصحة بغزة: تدعو المنظمات الحقوقية لزيارة المعتقلين بإسرائيل بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت من منصبه نتنياهو: اليهود "سيقفون بمفردهم" إذا اضطروا لذلك واشنطن تقر بقتل مدني بالخطأ بسوريا مسؤول أممي: المعاناة في غزة لن تتوقف بانتهاء الحرب الأردنية تحدد موعد إجراء انتخابات اتحاد طلبتها انقطاع خدمات هيئة تنظيم الاتصالات حتى السبت عواصف وأمطار الخليج العربي .. هل تصل إلى مصر؟ اعتقال مشتبه به خطط لمهاجمة موكب نتنياهو كيربي: لم نغير آراءنا بشأن عملية في رفح لا تراعي سلامة المدنيين الأمير فيصل يستقبل وفد مهرجان الأمل والأحلام لاعب منتخب التايكواندو الحلواني يتصدر التصنيف العالمي
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام حق العودة بين الواقع والوهم!

حق العودة بين الواقع والوهم!

08-02-2010 11:00 PM

هناك مستويان اثنان لحياة أي إنسان على ظهر هذه الأرض، أحدهما يمكن أن نسميه بالمستوى الواقعي، ويتعلق بالحياة الفعلية لذلك الإنسان، التي تبدأ منذ اللحظة التي يرى فيها النور، وتستمر إلى اللحظة التي يسلم فيها الروح إلى بارئها. أما المستوى الثاني لحياة ابن آدم، فربما كان من الجائز أن نسميه بالمستوى الافتراضي، وهو يتعلق بكل ما يمكن أن يظل قصياً عن التحقق، أي خارج مدار التعين والمعايشة الفعلية. يتداخل المستويان دون شك على نحو وثيق، لكن الأصل فيهما والمحور والأهم هو المستوى الواقعي، الذي يتصل بما يعيشه الإنسان حقاً، وليس بما يأمل أو يحلم أو يتوهم أن يعيشه ذات يوم؛ إذ قد لا يأتي أبداً ذلك اليوم الذي ينتظر قدومه، وذلك ببساطة شديدة لأنه لا يضمن وجوده فيه.
قد تبدو هذه الرؤية قاسية وفظة ومخيبة لآمال الكثيرين من الحالمين لإفراطها في المادية والراهنية والواقعية، وهذا صحيح، لكنها تمثل على الأرجح الرؤية الأكثر موضوعية وعدالة فيما أزعم، التي عبر عنها المثل الشعبي الحكيم بدقة متناهية حينما قال: \"عيشني اليوم وموتني بكرة\". نعم، أنا من أول الداعين إلى الحرص المطلق على إعطاء الناس حقوقهم الإنسانية وتوفير \"الحياة الكريمة\" لهم الآن الآن وليس غداً، أي في حياتهم التي يكابدونها اليوم، أما الغد، بأحلامه وأمنياته ووعوده وأوهامه، فإنه إذا ما أتى يتكفل بنفسه. وعندما نتحدث عن الحياة الكريمة، فإننا نتحدث عن حياة كريمة بالفعل، أي حياة خالية من كل ما من شأنه أن يجعل صاحبها يشعر بأي شكل من أشكال العوز والفاقة والنقص والقهر والظلم والضياع والتهميش والتمييز، فهذا هو الأصل فيما ينبغي توافره وتوفيره لكل إنسان في هذه الدنيا، وخلاف ذلك يعني أن أيادي سوداء قد تدخلت لسلب ذلك الإنسان حقوقه المشروعة، التي لا يجوز بحال من الأحوال التفريط فيها أو التضييع لشيء ولو بسيط منها، تحت أي مبرر أو غطاء.
جاء إيراد تلك المقدمة \"الفلسفية\" الطويلة تمهيداً للحديث عن حق العودة للفلسطينيين، هذا الحق المقدس، الذي لا ينبغي بتاتاً إسقاطه أو نسيانه أو تناسيه أو التنازل عنه. غير أن ذلك الحق الثابت والمشروع والنبيل غدا في واقع الأمر مجرد كلام حق يراد به باطل، فقد حوّل إلى أسطورة أريد بها إقناع الفلسطيني بأنه لا يعيش في ما سميناه المستوى الواقعي، بل إن عليه أن يحيا ويفكر ويتنفس وكأنه يتواجد بالفعل فيما أطلقنا عليه اسم المستوى الافتراضي للحياة.
لقد تم تحويل حق العودة، عن سابق إصرار وترصد فيما يبدو، إلى مخدر ثقيل يتم تجريعه للفلسطيني؛ فمنذ اللحظة الأولى لولادته يقولون للبائس المخدوع: لا تقلق، وأغلق عينيك وأنفك عن رؤية وشم المجاري القذرة التي تفيض بها أيام حياتك في مخيمات البؤس، ففلسطين ستعود يوماً ما مهما طال الزمن. وحتى وإن لم تعد لك، فستعود لأطفالك أو أحفادك ولو بعد ألف سنة، فهذا هو منطق التاريخ، المهم ألا تقلق، وانتش منذ الآن بنصر كاسح في معركة قادمة لا محالة تقتلع \"إسرائيل\" من جذورها، فقد تم اقتلاع الفرنجة من القدس بعد مئات السنين، فاصبر ولا تقلق. إياك أن تكترث بجوعك وجوع أطفالك من بعدك وبعريكم وذلّكم، فكل هذا سيزول يوماً عند العودة إلى الفردوس المفقود. لا تقلق، ولا تبال كثيراً بالنظر إليك أنت وأهلك ككائنات منبوذة مشبوهة تثير الريبة والقرف والرثاء، ولا تهتم بسلسلة القيود التي تكبلك وتكبلهم، فتحرمكم من التعليم اللائـق ومن العمل الكريم ومن الحركة الحرة ومن العلاج الشافي ومن السكن الدافئ ومن اللقمة الطيبة، فكل تلك القيود سرعان ما ستسّاقط عندما تأتي الحتمية التاريخية بالمعركة الفاصلة، أو بالسلام العادل والمشرف، وتعود إلى وطنك. لا تقلق، فالمسألة مسألة وقت فقط، وما المائة سنة أو حتى الألف سنة في عمر الشعوب؟ فأغمض عينيك أيها الفلسطيني ونم واحلم، فما فاز إلا النوّم.
بربكم، أليس هذا هو ما فعلته الدول العربية وتفعله مع أبناء فلسطين؟ وباسم ماذا؟ باسم الحفاظ على هوية فلسطين وعروبتها وصمود أبنائها وحقهم في العودة إليها. في كل المنافي العربية التي تطوح الفلسطيني فيها قالوا له إن ضرورات النضال والحفاظ على هويتك الفلسطينية تستلزم ألا نمنحك جنسية عربية أخرى، فأنت مجرد ضيف سيعود إلى وطنه ذات يوم. كان ذلك منطقياً ورائعاً وصواباً، لكن المشكلة أنه لم يعامَل معاملة الضيف أبداً، بما يستحقه الضيف من حفاوة وتكريم ونصرة، بل عومل معاملة اللاجئ المشرد الذي حكم عليه بأن يظل أسير حياة ظالمة ذليلة تأنفها الحيوانات، وكأن تلك المعاملة المهينة ستضمن تشبثه بهويته الفلسطينية العزيزة وتمكينه من تحرير فلسطين.
في الأردن، كان للفلسطيني البائس شأن آخر، فقد أقنعوه ذات يوم أنه مواطن أردني حسب الدستور، يحظى بكل ما يحظى به المواطن من حقوق، وعليه كل ما عليه من واجبات، فآمن المسكين بذلك وأخذه على محمل الجد، لينذر نفسه لخدمة بلده الذي يعيش فيه بكل تفان دون أن ينسى جذوره التي لا يمكن نسيانها، وهل يعيب المرء الشريف والأصيل أن يعتز بجذوره؟ وبعد عقود طويلة إذا بالغافل يباغت بحسابات السياسة اللئيمة تهوي على رأسه كالصاعقة، فيقول له البعض فجأة إن موضوع مواطنتك الأردنية كان مجرد مزحة، ونعتذر منك لأنها كانت مزحة سمجة؛ إذ عليك أن تصحو من أوهامك وتتأهب لمواجهة الواقع الجديد، وتغدو مستعداً في أية لحظة للتنازل رغم أنفك عما سبق وخصصناك به من ميزات تتعلق بمواطنتك الورقية، فأنت \"فلسطيني\" يا هذا بحكم استمرار ارتباطك بفلسطين بشكل أو بآخر، ولا ينبغي أن تنسى ذلك لحظة واحدة، وإلا كنت مسؤولاً عن تحقيق مخططات الصهيونية الخبيثة، وعن تبديد فرص استعادة فلسطين، وكأن من الممكن أو الوشيك في ضوء ما نعانيه من انهيار عربي شامل استعادتها بالفعل.
وقال البعض نفسه في معرض تبرير حرمان بعض الأردنيين من أصل فلسطيني من جنسيتهم إن ذلك يدخل في باب \"تصويب الأوضاع\"، وإنه لا يمس إلا عدداً بسيطاً للغاية لا يتعدى بضعة آلاف قليلة، فوجدتني أتذكر قول الله تعالى: \"من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فقد قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً\". فالمسألة ليست في العدد على الإطلاق بكل تأكيد، ومن ظلم مواطناً واحداً فكأنما ظلم كل مواطنيه، وسحب جنسية امرئ واحد ولد وشبّ وشاب وهو يحملها، مهما كانت الذرائع، هو استهتار بقدسية فكرة الجنسية التي يحملها كل مواطن مهما كان أصله، وهو شكل من أشكال القتل الفظيع للروح والهوية والتاريخ والذكريات لو يعلمون، فهل يتذكر أولو الألباب؟

د. خالد سليمان
sulimankhy@gmail.com





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع