زاد الاردن الاخباري -
وسام صالح مصطفى بني ياسين
جرت العادة أن يلاحظ تغير طفيف في العادات و الأخلاق جيلاً بعد جيل, أي كل عشرين إلى ثلاثين سنة تقريباً مع بقاء حاجز الحياء واضحاً على الجيل الجديد, أو على الأقل حرص الجيل الجديد على مجاراة الجيل القديم بكل الاحترام.
منذ عشر سنوات باتت وتيرة التغير تزداد بشكل خطير و غير طبيعي في كل مناحي الحياة لا سيما الأخلاق و العادات و طرق التعامل المختلفة, و على غير العادة أصبحنا نلحظ تغيرا ملحوظا كل عامين تقريباً إذا لم يكن كل عام.
لعلنا -المغتربين- نلاحظ الفرق و التغير أكثر من غيرنا, فقد لاحظت شخصياً فرقاً عظيماً في طبائع الناس و أخلاقهم و سلوكياتهم في صيف 2009 عما قبله و كانت الطامة الكبرى حين عدت إلى الوطن صيف 2010, حيث الوضع الذي ينذر بكارثة أخلاقية عظيمة
كنا بالسابق نتحدث عن التغير البسيط في العادات و التقاليد و الأصالة, و بتنا الآن نحترق بفحش الأخلاق و سوء التعامل وعدم الاحترام, بل و انتهاك حرمات الآخرين المعنوية و العينية.
و دون دراسة علمية صحيحة لا نستطيع تحديد سبب هذه الكارثة ولكني أستطيع أن أجزم بأن هنالك خللاً غير طبيعي حدث في المجتمع, الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة و سريعة للتعامل مع هذه الظاهرة الغريبة, و تكاتف الجهود بين السلطة و العقلاء في المجتمع للتصدي لهذا المرض و منع تفشيه و الحد من تأثيراته السلبية.
نعم, إننا حريصون على العيش في مجتمع متحضر و ديمقراطي, و لكننا أشد حرصاً على العيش في مجتمع آمن قبل أي شيء آخر.
لنأخذ على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية, و التي تعتبر من أكثر دول العالم تحضرا و تقدما و ديمقراطية, حيث قام المشرعون هناك باستحداث قانون جديد بإسم (قانون الأدلة السرية) و الذي يمس كثيرا حقوق الانسان و يعتدي عليها (مع حرصهم الشديد على حقوق الإنسان) و كان اضطرارهم لاستحداث هذا القانون المرور في ظروف صعبة و خطيرة تمس أمن وطنهم و شعبهم, و من الأهمية للدرجة التي لا يعار فيها هماً لحقوق الأفراد (و الأفراد المسيئين تحديدا).
فإذا كانت الديمقراطية تشكل ضعفاً للسلطة و الأمن فلعلنا نطالب بالأحكام العرفية عوضاً عنها.
و الكثيرون يخطئون في فهم الديمقراطية و يسيئون التعامل معها, الديمقراطية حرية التعبير و ليست حرية للتعدي على الآخرين و القانون.
خلق الله هذا الكون بتوازن كامل مطلق لا تستطيعه قوة أخرى, و كان وجود الجنة و النار جزءً من هذا التوازن. و جاء الثواب و العقاب بكفتي ميزان للأعمال. و نرى الأمريكيين يسبقوننا إلى إيجاد لغة العصا و الجزرة و هم بارعون بإطعام الجزرة, و لكنهم أكثر براعة في استخدام العصا, لمن عصا, و هذا ما يجب أن نتعلمه جيدا و نفهمه أكثر.
إن حرية الرأي و تطبيق مفاهيم الحرية و الديمقراطية أمر مهم, و لكن الأهم من ذلك هو الحفاظ على أمن الوطن و المجتمع و المواطن, و عدم ممارسة الديمقراطية على حساب الآخرين..., و لا نهتف بما يجرح أو يمس مشاعر الآخرين بسوء و لا نشجب بتكسير أملاك الغير..., و لا نمارس حريتنا بانتهاك حرية الآخرين, و أولاً و أخيراً أن لا تعني لنا الديمقراطية مخالفة القانون.
إن الصين أمة يفوق عددها عدد الشعب الأردني بأكثر من "مئتي ضعف" و مع ذلك لا نجد في الصين عدد من ينتهكون القانون في الأردن بشكل عام, و خاصة قوانين المرور و حقوق الآخرين. وتتجلى اسباب المفارقة الكبيرة بمدى قوة تطبيق القانون أو التهاون فيه.
و بات الكثيرون لا يأبهون -أو بالأصح- لا يخشون العقوبة, لأنها إما غير موجعة أو غير فعالة أو أنها لا تطالهم.
لم يكن الأمن في الأردن في خطر كما هو الآن, و لا حتى زمن المؤامرات الدولية و المحن السياسية و تكالب الأمم عليه.
لا شك في أن قوة القوي تنبع من ضعف الضعيف, فيقوى الشر حين يضعف الخير و تزيد الجرائم حين يقل الأمن, و يستفحل المجرم حين يهن رجل الأمن, و بقدر ما يعنينا احترام رجال الأمن لحقوقنا و تطبيق حسن الأخلاق و اللين في التعامل معنا نطالبهم أن يكونوا حازمين و شديدين مع الخارجين عن القانون و المستهترين بحرمة الآخرين و ممتلكاتهم. هؤلاء الذين يهددون أمن مجتمعنا و وطننا و شعبنا.
نريد ديمقراطية لمن يعيها و يحترمها و يعرف قدرها و قدر نفسه, و نريد أحكاما عرفية و استثنائية ليس لمن يخطئ و إنما لمن يعتاد الخطأ و الإجرام و التجني على حقوق الإنسان و المواطن و أمن المجتمع, نريد تصنيفا للمواطنين و تصنيفا ملائما للقوانين و طرق التعامل معها.
استوقفتني قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر (أو الرجل الصالح) في سورة الكهف حيث اتفقا على (المرافقة) بشرط ألا يسأل سيدنا موسى الرجل الصالح عن شيء يستغربه حتى يخبر عنه بنفسه, فنسي سيدنا موسى المرة الأولى فاعتذر, و في المرة الثانية اعتذر قائلاً: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني, فلقد بلغت من لدني عذرا, و بعد المرة الثالثة قال الرجل الصالح لسيدنا موسى "هذا فراق بيني وبينك" فكانت المرة الثالثة حداً لبلوغ العذر و أخذ الجزاء القاسي.
لطالما كان البتر (عند أهل الطب) بآلامه علاجاً و إنقاذاً لباقي الأعضاء؛ لماذا لا يحلل أولو الألباب و يستخلصون العبر من كلام الله -عز وجل-؟
لعل الوقت حان لنعيد النظر في بعض القوانين التي لم تعد تصلح لهذا الوقت من الزمان, و لهذه الفئة من الأشرار. أليس من المناسب أن يستحدث قانون خاص لمن يكرر الذنب نفسه عدة مرات؟ ألا يستحق الشخص الذي يعتاد على استخدام الآلات الحادة لتشويه وجوه الضعفاء من المواطنين قطع يده؟ ألا يكون بقطع يده ردعٌ لغيره و حفاظٌ على العديد من الضحايا الأبرياء و حفاظٌ على أمن المجتمع؟ ألا يستحق أمن المواطن و المجتمع و الوطن الخروج من الصمت و عن المألوف؟ أليس عدلاً أن تنتهي حرية الفرد عندما تبدأ حرية الجماعة؟ لعل حقوق الإنسان و حقوق المواطنين تقتضي بل تستدعي أن يقوم المشرع و الحكومة بما يلزم لحمايتهم و بأي ثمن. دعونا إذاً نطالب الحكومة باستحداث قانون "الفرص الثلاث".
رحم الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال: لا خير في قوم ليسوا بناصحين ولا خير في قوم لا يحبون الناصحين, وبقي الختام بخير الكلام "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".