أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الاثنين .. يزداد تأثير حالة عدم الاستقرار مسؤول في حماس: الأجواء إيجابية ولا ملاحظات كبيرة في الرد وزير الخارجية السعودي يحذر من “أمر سخيف”: الوضع صعب للغاية وعواقب وخيمة قادمة 1352 لاجئا سوريا يعودون لبلادهم في 3 أشهر المشاقبة : التجربة الحزبية في المجلس القادم قد تكون ضعيفة لغياب الايدولوجية والبرامجية حديقة تشعل شرارة بمراكز القوى والنفوذ في الأردن الشرطة الأمريكية تعتقل تمثال الحرية لتضامنه مع غزة بلينكن يزور الأردن في إطار جولة شرق أوسطية جديدة وزيرة فلسطينية تشيد بالعلاقات التاريخية بين الأردن وفلسطين تحذير من العروض الوهمية على المواد الغذائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي الضريبة: لا غرامات على الملزمين بالفوترة حال الانضمام للنظام قبل نهاية ايار لواء اسرائيلي : دخول رفح حماقة إستراتيجية المطبخ العالمي يستأنف عملياته في قطاع غزة المستقلة للانتخاب تُقر الجدول الزمني للانتخابات النيابية محمود عباس يتخوّف من ترحيل فلسطينيي الضفة الى الاردن .. والخصاونة: نرفض اي محاولة للتهجير كتائب القسام: نصبنا كمين لقوات الاحتلال في المغراقة لأول مرة منذ 2011 .. وزير الخارجية البحريني يزور دمشق الأميرة منى تشارك بفعاليات مؤتمر الزهايمر العالمي في بولندا قوات الاحتلال تقتحم بلدة في جنين مقتل 3 جنود وإصابة 11 آخرين بانفجار عبوة ناسفة في غزة
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام وضاح خنفر .. ذات ليلة ثلج

وضاح خنفر .. ذات ليلة ثلج

04-02-2010 09:43 PM

ذات ليلة ثلج قبل اثنين و عشرين عاما حطت بنا الرحال أنا و صديقي في "أبو نصير" حيث توقفت الحافلة على أبواب المدينة و لم تستطع التوغل بسبب تراكم الثلوج ، و قطعنا بقية المسافة سباحة في أمواج الثلج المتلاطمة عبر شوارعها ، وصولا إلى منزل زميلنا في الدراسة و رفيقنا في امتحان مادة "الاحتراق الداخلي للمركبات" في قسم الهندسة الميكانيكية بكلية الهندسة في الجامعة الأردنية.

و بسبب الأجواء المتجمدة و اجتماعنا الحميم قرب المدفأة تحولت جلستنا الدراسية إلى سهرة أمنيات حول كل شيء بدءا من أحلام التخرج القريب و انتهاء بالزواج و رحلة الكفاح القادمة ، و أزعم أنه في تلك السهرة الطويلة التي امتدت إلى الفجر حدد مضيفنا صاحب المنزل بوصلته نحو رفيقة الدرب التي أشرت بها عليه و كان النصيب كما تمنى و أراد ، و لربما كانت تلك الليلة بالنسبة له ليلة قدر في غير رمضان حيث تجلى صاحبنا في الأحلام و الأمنيات و لم يدر بخلده أن ما خبأه له القدر هو أفضل حتى مما تمناه.


و عندما طلع الصباح اقتنصنا الفرصة الذهبية للعودة بأعمارنا عدة سنوات إلى زمن الدراسة الابتدائية فاغتنمنا وجودنا في حي غير حينا و عوضنا كل فرصة ضائعة من طفولتنا و لم ندع من شر قنابلنا الثلجية أحدا من أولاد الحي في ذلك الصباح البارد.


و عدنا بعد ذلك إلى مضيفنا الذي اقترح علينا – لشدة كرمه – أن ننوي صيام ذلك اليوم باعتباره "غنيمة باردة" فاستجبنا لمقترحه ، و بادرته بمقترح آخر هو التجوال و السياحة في قمم جبال البلقاء و كان شديد الحب للمغامرة و المسير و ركوب المجهول ، فركبنا ثلاثتنا ما تيسر لنا و نزلنا بجوار مزرعة "خليفة" المجاورة ل"طف أوشع" و منها دلفنا إلى الطف الذي يمثل قمة القمم ، و بجوار المقام المملوكي لنبي بني إسرائيل يوشع بن نون عليه السلام الذي عبر بهم نهر الأردن إلى الأرض المقدسة وقفنا مسحورين ببهاء المنظر نحو فلسطين ، حيث امتزجت ألوان الطيف و الشمس الخجولة بقطرات الماء المتجمدة و هي تسيل من قبة المقام و تضفي على الناظرين إلى كفر هودا و الرملة و عين قمصون و الأغوار و النهر المقدس و جبال طوباس و نابلس هالة من القداسة الصوفية جعلت عرقنا يتصبب بين الثلوج ، فتوضأنا من مسيل تلك القطرات الذائبة و صلينا بجوار المقام صلاتي الظهر و العصر جمع تقديم ، و استغرب رفاقي من طول قبر ذلك النبي الكريم الذي يصل إلى عدة أمتار ، و كان كل شيء في المشهد يبعث على الذهول و السكينة.


و كان لا بد للمسيرة من أمير و كنت لاعتبارات الجغرافيا ذلك الأمير الذي لا بد من طاعته ، فتدحرجنا بين الثلج و الطين هابطين إلى كفر هودا أرض الآباء و الأجداد ، و هناك شممنا رائحة التاريخ و الذكريات و العراقة و الجذور و الأصالة و الكرامة و الإباء ، و منها درجنا إلى الرملة حيث تمتزج الألوان الساحرة لرملها ما بين الأحمر و الأبيض و الأرجواني و الأصفر المزرق و كأنها ألوان طيف في باطن الأرض ، و كم كنت سعيدا أن أطأ بقدمي و لأول مرة أرض جدي و أبي و أرضي التي أشعر بوجودها أنني إنسان له جذر راسخ لا ورقة شجر مقصوفة تتلاعب بها الرياح.


و بعد ذلك كان لنا الخيار بالعودة صعودا من حيث أتينا أو الاستمرار في الطريق الذي لا نعرف إلى أين سيقودنا ، و يبدو أن النزول مهما طال أسهل على النفس من الصعود مهما قصر ،

فاستأنفنا سيرنا نحو الغرب و مررنا بمناطق لا تصلها المركبات و كأنها على عذريتها و فطرتها منذ برأها خالقها ، لا يخالج تلاوينها سوى أقدام الرعاة و دغدغات قطعان الأغنام التي انكفأت في ذلك اليوم مختبئة هنا و هناك من زخات الثلج و المطر ، حتى مررنا ب"أبو رغيف" و هو مقام قديم لأحد الصالحين كما يقال ، و عشنا ساعات شاهدنا فيها أجمل غروب للشمس عرفناه منذ ولدنا ، و لما حان وقت الإفطار كان العكوب و الخرفيش و ما عشب في الأرض طعامنا الذي كسرنا به صيام أجمل أيامنا.


و مع المسير اقتربنا شيئا فشيئا من وادي الأردن إلى أن رأينا قناة الغور الشرقية على مرمى حجر ، و قبل أن نصلها إذا بمساحة منبسطة مد البصر عن أيماننا و شمائلنا و قد حددت بشيك قديم متهالك و لوحة أجزم أن عمرها من عمري – حيث أنني من مواليد نكسة حزيران عام سبعة و ستين- و قد كتب عليها "حقول ألغام" ، و لم يكن بد من عبورها أو العودة من حيث أتينا ، و فعلا "النزول مهما اشتد خطره أسهل على النفس من الصعود مهما كان آمنا" ، و لما كنت أميرهم أصدرت تعليماتي بالعبور و كنت أول العابرين و بحمد الله وصلنا بسلام.


و بعد العبور المجيد تراءى لنا معسكر يرفرف في سمائه علمان ، الأول هو علم الوطن و الثاني كان لا بد من الاقتراب أكثر و أكثر كي نتبين معالمه ، و يا لحسن حظنا! فقد كان علم الجامعة الأردنية ، و إذا بهذا المعسكر هو مزرعة الجامعة الأردنية التي يتدرب فيها طلبة كلية الزراعة فصلا كاملا ، و ما أجمل اللقاء مع الزملاء على غير ميعاد! "و لو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد" ، و هناك تعشينا على ما تيسر من معلبات و بعض إنتاج المزرعة و عدنا أدراجنا راكبين حالمين إلى عمان الحبيبة ، حيث افترقنا أنا و صديقي إلى الجوفة و الأشرفية وسط عمان القديمة ، و زميلنا الثالث مضيفنا إلى أبو نصير ليحقق أحلام تلك الليلة الثلجية بعد عقدين من الزمن و يكون هو "وضاح خنفر" المدير العام لقنوات الجزيرة الفضائية.


المهندس هشام خريسات

hishamkhraisat@gmail.com





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع