بقلم : الإعلامي عيسى محارب العجارمة
الزمان : عام 2001م
المكان : جزيرة أوكوسي في تيمور الشرقية
المناسبة : إستعادة البندقية ( العفرا )
كان ذاك الحدث المرتبط بواقعة قيام العقيد الركن ياسين صالح العدوان " أبو رعد " قائد كتيبة حفظ السلام الدولية 4 jorbat في ذلك الوقت ، بإستعادة بندقية م16 تعود لكتيبة حفظ السلام 3 فقدت في أرض المهمة نتيجة إهمال ليس هذا مكان ذكره .
وكانت موجودة لقرابة فترة طويلة في الجانب الآخر من الحدود قبل وصولنا لأرض المهمة ، وصدرت الأوامر وبامر مباشر من عطوفة رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول الركن محمد يوسف الملكاوي باستعادتها مهما كلف الأمر .
وكانت الايام تمضي سريعاً ، والعقيد العدوان لا يملك ترف الإنتظار لأننا الكتيبة الأخيرة هناك ، فأخذ الأمر على محمل الجد والاجتهاد وكان يتوجه بنفسه إلى الحدود مرات ومرات في بيئة خطرة ، ويستقصي عن ضياع البندقية لدى القبائل والعصابات المحلية هناك .
إلى أن أستطاع أن يقابل وبكل شجاعة وروح تعرضيه قائد الكتيبة الإندونيسية الذي يمسك الأرض على الجهة المقابلة وبعد مفاوضات شاقة وإجتماعات تنسيقية دورية متعددة معه ، عاد عصر أحد الأيام إلى مقر قيادة الكتيبة في إقليم ( أوكوسي ) على شاطئ المحيط الهادي وهو يحمل البندقية العفرا .
كنا نجلس مع رفاق السلاح بإستراحة ما بعد صلاة العصر ، على الشاطئ ذو الرمال الذهبية تحت أشجار جوز الهند في جلسة يومية لمدة ستة أشهر ، نسهب فيها بالحديث عن الوطن والأهل والغربة ، ليبدد ذاك الروتين اليومي الممل رغم روعة المكان الساحر مشهد نزول الجنرال العدوان من سيارته اللاندكروز وهو يلوح لنا على باب مقر قيادة الكتيبة بالبندقية المستعادة ، ورغم تعب المشوار الطويل برحلة عودته من الحدود الدولية مع الجانب الإندونيسي بمسافة تقدر ما بين الطفيلة وعمان تقريباً .
هرعنا جميعاً نحن ضباط وضباط صف وأفراد الكتيبة إلى ذاك القائد البطل ، بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وقمنا بتقبيل البندقية الطاهرة ، ونزل الأخوة الضباط من ناديهم واستراحتهم وشارك الجميع بإستقبال قائدنا البطل الذي إستعاد بندقيتنا التي تمثل شرفنا العسكري رغم أن ضياعها كان من مسؤولية أفراد الكتيبة التي سبقتنا .
بدوره أصدر قائد الكتيبة أمره بإحياء ليلة سمر تحت أشجار جوز الهند على شاطئ المحيط ، وتفنن قائد فصيلة الإتصالات وأفراده بإعداد حفل خاص إحتفاءا بهذه المناسبة السعيدة .
وتفنن قائد فصيلة الإتصالات وأفراده بإعداد مسرح الحفل من حيث الإضاءة ونظام الصوت حيث السماعات والميكروفونات ، ووضعنا الكراسي لإستقبال الضيوف الذين وجهت لهم الدعوات على عجل وهم قادة السرايا في الميدان ومعهم أعداد كبيرة من الضباط والجنود ، إضافة إلى قيادة القوة الدولية والكتيبة الأسترالية والشرطة الدولية ، وتم إعداد السماط (مائدة الطعام بالفصحى) الذي كان عبارة عن المناسف بالديك الرومي السمين والكاشو وكأننا بحفل عرس بدوي جميل في أرض الوطن .
كانت القصائد تتوالى بالفصحى واللون البدوي حيث ألقى الملازم أول الدكتور جهاد العجارمه قصيدة جميلة ، وقام قائد الفريق الطبي الدكتور بسام أبو حماد بالعزف على الجيثار ، والقيت أنا قصيدة بعنوان : البندقية العفرا ، وبعد التشاور مع المدعي العام النقيب القاضي العسكري مأمون المعايطة ، وركن القوى البشرية المقدم الركن دفاع جوي محمد العبادي ، وعدد من الأفراد والضباط لتكون مفاجأة كبيرة كهدية لعطوفة قائد الكتيبة البطل الذي سطر أروع ضروب البطولة والتضحية وهو يغامر بالذهاب منفرداً لقلب الأدغال الإندونيسية عدة مرات ، بما عرف عنه من روح تعرضية وشجاعة وأقدام فاق الوصف ، اثبته في هذه الواقعة ، التي نال على إثرها كتب الشكر والثناء من عطوفة رئيس هيئة الأركان المشتركة الباشا محمد يوسف الملكاوي ومديرية العمليات الحربية في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية الجيش العربي ، وتم النشر عن الموضوع في حينه بمجلة الأقصى العسكرية المتخصصة التي تصدرها شهرياً مديرية التوجيه المعنوي .
كان الحفل وليلة السمر قد بلغت ذروتها بالدحية والسامر البدوي ، حتى أن قادة القوة الدوليين الأجانب نزلوا للمشاركة ، وتعدى الأمر ذلك بعد أن شاركت بعض الضابطات الحسناوات بالسامر ، وبلغت المعنويات أوجها وعطوفة أبو رعد يعلم الأجانب تلك الرقصة البدوية الفلكلورية البديعة ليتمايلوا ويتمايلن جنباً إلى جنب مع شباب الكتيبة .
وكانت تلك لمسة إنسانية جميلة جدا عنا كعرب ومسلمين ، بنظر أولئك الرهط من القادة الدوليين ، إذ لم تمر فترة شهرين على الحادث الإرهابي المعروف بأحداث أيلول والذي تم فيه تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك ، وأستطاع من خلالها الجنرال العدوان مد جسور الثقة والتعاون معهم وبما يعكس الصورة الحقيقية عن العروبة والإسلام وينفي تهمة لصق الإرهاب بالإسلام .
نعم قمت بالامساك بناصية الميكرفون حينما قدمني عريف الحفل قائد المعسكر الرائد مروان الكاتب ، وقمت حينها بإلقاء القصيدة ، والتي كان من ابياتها على ما أذكر :
حي من خلف المحيط قد سكنا ، ودعني أقبل البندقية العفرا بيد إبن عدوان البطلا .
حيث قام قائد الكتيبة وصافحني مقبلا ، وطلب من مأمور قطعة السلاح إحضار البندقية العفرا فوراً ، وقمت بتقبيلها وأداء التحية العسكرية لها ، حيث قاطعني الحضور بعاصفة من التصفيق الحاد ، ونزلت الدموع على وجنات معظم مرتبات الكتيبة الحاضرون ضباط وضباط صف وأفراد .
وللحديث بقية .....