بعد إقرار قمة الرباط عام 1974 الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني ، أمر جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال بتشكيل المجلس الوطني الاستشاري ليسدّ الفراغ الذي نشأ عن تجميد البرلمان ، فتشكّل بدورته الأولى لسنتين برئاسة أحمد اللوزي والثانية برئاسة احمد الطراونه والثالثة برئاسة سليمان عرار .
وحين بدأتْ الدورة الثالثة للمجلس أعمالها برئاسة سليمان عرار في شهر نيسان من عام 1982 كنتُ مذيعا ومحررا في دائرة الأخبار بالإذاعة الأردنية ، حيث تم تكليفي من مديرها المرحوم سليمان خير الله بتغطية الجلسات الإسبوعية للمجلس التي تبدأ من الساعة العاشرة صباحا وحتى الواحدة ظهرا ، وبعد إنتهاء كل جلسة كنتُ أسارع بإعداد تقرير إخباري لإذاعته عبر الهاتف على نشرة أخبار الساعة الثانية بعد الظهر .
كان الموضوع الذي إحتدم النقاش حوله لعدة جلسات هو الوطن البديل ، وبعد خمسة اسابيع من النقاشات الساخنة حوله ، وقبيل موعد نشرة أخبار الثانية ظهرا بعشر دقائق كان تقريري الإذاعي جاهزا لقراءته على الهاتف ، فناداني وزير الاعلام عدنان أبو عوده ليسألني عمّا كتبت ، فقلت له عن الوطن البديل معاليك ، فغضب وقال اشطب ما كتبت واستبدله بأنّ المجلس الوطني الاستشاري ناقش مشكلة فائض البندورة في الاغوار ، فدُهشتُ من طلبه المتأخر ولم أستطع تنفيذ أمره لأن الوقت المتبقي للنشرة خمس دقائق ، فأذعتُ ما كتبت وليس كما طلب الوزير ، وبعد استماع ( ابو عوده ) للراديو عاد ليلومني على عدم الإلتزام بتعليماته ، فقلتُ له معاليك لم يكن لدي متسع من الوقت لكتابة تقرير البندوره والنشرة بقي عليها دقائق قليلة ، فقال أنتم المحررين يلزمكم غسيل دماغ ، إجمعوا حالكم غدا في الإذاعة لتليين رؤوسكم ، فسألته عن سبب طلبه بتغيير الموضوع من الوطن البديل الى فائض البندورة ، فقال إذا بقينا نتحدث عن الوطن البديل فسيبقى موضوعا متكررا على ألسنة الناس ، ومن أجل نسيانه يتوجب على الإعلام أن ينتقل الى موضوع آخر .
إنني أعترف أن مخالفتي لتعليمات وزير الاعلام عدنان أبو عوده وهو الاعلامي والسياسي المحنّك كانت مغامرة غير صحيحة من طرفي ، لكنني بتلك المخالفة التي جنبتّني من مطّب مؤكد إختصرتُ على نفسي جُهدا شاقا لا أستطيع تحمله ، حيث أن خمس دقائق لا تكفي لكتابة تقرير عاجل حول موضوع أجهله .
وللأمانة أقول ، وبحكم تغطيتي الإعلامية للمجلس الوطني الاستشاري سنة 1982 ولمجلس النواب عام 2004 ، فإن أعضاء المجلس الإستشاري كانوا يعاونون السلطة التنفيذية في القيام بأعبائها السياسية والتشريعية على أكمل وجه ، ويمثلون الى حد بعيد كافة الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية والعقائدية في البلاد ، وسبق لكثير منهم أن لعبوا أدوارا متنوعة في خدمة المجتمع ، وقد أجمع العديد من المواطنين الذين عايشوا تلك المرحلة من سياسيين وحزبيين وإعلاميين أنّ المجلس الوطني الاستشاري في دوراته الثلاث استطاع الى حد كبير ملأ الفراغ الذي أحدثه غياب مجلس النواب في تلك المرحلة وبأقل التكاليف على الدولة ، حيث كانوا يتقاضون مكافأة مالية رمزية دون أيّة امتيازات أو تكاليف أخرى .
ودائما أطرح على نفسي سؤالا ، لو فكّرتْ الدولة الأردنية العودة الى تشكيل مجلس إستشاري من النُخب الوطنية الكفؤة والأمينة والإستغناء عن مجلسي الأعيان والنواب ، هل يمكن ان ينجح ذلك وكم سيوفر على الخزينة من أموال ونفقات ؟؟ سؤال متروك للبحث والإجابة ، والله من وراء القصد .