خلال مدة عملي في التلفزيون الأردني قمتُ بتكليف رسمي بتغطية العديد من الانتخابات النيابية والبلدية في محافظات ومناطق وبوادي المملكة ، حيث كان يتمّ بالتنسيق مع الحكّام الإداريين تأمين الإقامة للفريق التلفزيوني قبل يوم أو يومين من الإنتخابات ، ومن واجبي خلال أيّة مهمّة كمندوب تلفزيوني أن أقرأ التقسيمات الإدارية للمنطقة التي سأغطي إنتخاباتها وأن أحفظ دوائرها الإنتخابية وعدد مراكز الإقتراع والصناديق وأسماء المرشحين وزيارة قاعة الفرز الرئيسية والإلتقاء بالحاكم الإداري لتعريف المشاهدين باستعدادات منطقته للعرس الديمقراطي ، كما ألتقي بالوجهاء والمواطنين في المجالس والأسواق لقراءة المشهد الإنتخابي في دوائرهم ، وفي صبيحة الإنتخابات أبدأ عملي ضمن البرنامج المرسوم حيث أكون حدّدتُ المواقع التي أنقل من خلالها على الهواء مباشرة صورة الوضع الإنتخابي ، كما يتعيّن علينا كفريق إعلامي تصوير لحظة فتح صناديق الإقتراع ولقطات من إقبال الناخبين عليها والإنتقال بشكل سريع الى كافة المراكز للوقوف على سير العملية الإنتخابية ، وكان عملنا يستمر على هذا النحو منذ الصباح وحتى السابعة مساء إن لم يكن هناك تمديد إضافي في حالة عدم إكتمال النصاب القانوني ، وبعد إقفال الصناديق مساء نتوجه الى القاعة الرئيسية حيث تبدأ عملية الفرز النهائية بحضور مندوبي المرشحين .
مغامرتي في هذه الحلقة حدثت عام 2007 في محافظة جرش التي تتشكل من دائرة انتخابية واحدة ولها أربعة نواب ، حيث كنت مساء في قاعة الفرز أتابع لحظة بلحظة فرز أصوات الناخبين وأوافي التلفزيون الاردني أولا بأول وعلى الهواء مباشرة أسماء مرشحي النيابة المتقدمين بالفرز ، وعند الساعة الثانية عشرة ليلا لم يتبقّ من الفرز إلا صندوق واحد ، فأعلنتُ على التلفزيون النتائج غير النهائية للمرشحين المتقدمين قبل الصندوق الأخير ، ممّا إعتقد البعض أنها النتيجة النهائية ، فسارع بعض المواطنين بعد إستماعهم لرسالتي بإطلاق الرصاص وتوزيع الحلويات فرحا وابتهاجا متذرّعين بمندوب التلفزيون الذي سمّى بإعتقادهم المرشحين الناجحين ، وفي تلك الساعة دبّت الفوضى في الشارع الجرشي ، فطلب مني المحافظ الإعلان بعدم ظهور النتيجة النهائية حتى هذه اللحظة ، وبعد حوالى ساعة إستأنفتْ اللجنة فرز الصندوق الأخير فتغيّرت نتيجة أحد المتقدمين سابقا بتقدم مرشح آخر عليه ، وبعد أن أذعتُ رسميا على الهواء النتيجة النهائية وأسماء النواب الفائزين زادت الفوضى في الشارع بسبب إعتراض أنصار المرشح الخاسر ، وكنت أسمع بعض المواطنين المحتجّين يقولون مذيع التلفزيون أعلن ذلك .
هنا أعترف في هذه الحلقة أن ما جرى في الشارع الجرشي من فوضى وارتباك كان بسببي ، وهي مغامرة خاطئة ودرس مفيد لكل إعلامي أو صحفي مبتديء بعدم التسرّع ، حيث يُفترض بي عدم الإعلان عن أي إسم متقدم في الفرز حتى ظهور النتيجة النهائية ، وتلك الواقعة التي شكّلت لي وقتها إحراجا شديدا أتمنى على كل الزملاء الصحفيين أن يعتبروا منها حتى لا تحدث وتتكرر معهم في أية إنتخابات قادمة .