زاد الاردن الاخباري -
(1)
كَمن أزاحَ من أمامه الآن غيمة، لينقشعَ النورُ أكثر، فيرى ضانا كما تَظهرُ من مَطل في القلبِ بجلاءٍ أكبر وأعم. هُناك حيثُ سمائية الطفيلة تنعكس فوق الأرض بين أكوام أضوية ونغمات شحارير، إذ تلكَ هَدئةٌ تفاجئ مقامات البوح الكامنة لتنفجر أمام قداسة اللوحة المرتبة بعناية فريدة.
(2)
في ضانا تترابطُ الجماليّاتُ ذات النسيج الصلب لتَعبُِرَ المكان لأبعد من التصور المرسوم في الذهن
تُحاكي الشحرورة سجيتها على هذه الجبال وتُعطي أشجانها عطر الجنوب الذي في عجلة غير مدروسة صار بعيداً عن الحياة وغدا متجرداً إلا من بطولاته الأولى وصيحاته الحادة التي هيّأت الكبير والصغيز ليعتلي مراتب المجد
(3)..
في ضانا يمتد النجم بين الغيم أغنيك تنتظر عزفها ولحنها على نغمة البداوة، إذ تأخذ مساحات الحبّ بالإتساع أكثر إذ ما سارت أقدامنا نحو الفصل الأجمل من حكاية الأرض_حكاية جنوبه حاضنة المجد التي لا تغيب_
إذ تقف ضانا معلقة في الهواء، بين السماء والأرض ترفع يدها تلوح للحياة بعنفوان لا يهدأ.
(4)..
أصوات الملائكة البدائية ترنمت من بين أحراش الجنوب، وصليل سيف يحتد راح يقاتل من غمد الطفيلة، ليمضي السبول من بعدها يكتب على قافية جديدة_ تعرفها الأردن وحدها_
، قافية الإنتماء للجذور مهما حاولوا استئصالها.
(5)..
في ضانا، آخذ مكاني على أعلى جبل وأغمض عيني مستسلمة للسعات الهواء ومَع الحفيف الأولِ للروح سَارت قَدماي فوق ذُرى ضَانا بتناغمٍ ملائكي يشبهُ المشية_خفيفة على الروح والأرض معاً_ في وَقتٍ احتشد فيه الحُبُّ مع موعده الأول أمام شجرة عَرعرٍ تكبدت المكان، أخذت تشق الأرض مُشرعة نفسها للعلو بتسارعٍ رتيب يشي بشيء عصيٍ على أن يوؤل_ فطرة الأشياء الإعجازية هذه_.
دنوت منها، رمقتها بنظرتي العاشقة، الهائمةِ في غناء نشيدِ الأرض والوفاء لأشجار الكرمة من قبل لتقول لي بألفة الأشياء الأردنية : خلّك هُنا.
تسمّرت هامسة : \" ضانا\" ميقات الوجد والصبابة..
(6)..
هُناك في ظل عرعرةٍ تُثَبتْ الكلمة الأولى للكون والوجود وتستمر إلى نهايتها على وتيرة واحدة ونَفسٍ لا ينقطع، حياة كاملة تجمعت في راحتي حينما تحسستها بشغف الذي يَضرب على وتر عجوز في كمانٍ يحبه، كالأبكم ينطق كلماته الأولى بَعد إنقطاع : كيفَ الحال؟
(7).
قلتُ:
حَملتكِ يا ضانا على كلامي..
فلا قَلباً يعبأ بالصامتين..
أحميكِ من الرعودِ بعضدي..
فشدي قبضتي ولا تَجزعي..
وابقيني مُشَرَعةً على أبوابك..
أخبيكِ في الوتين..
واستنطق الأيام علّها..
تُوقدُ فيكِ ،أجملَ ما فيكِ..
(8)..
رَفعت غُصنها ومَدته عن أخره بإتجاه المَدى الرحب وخاطبت جذروها:
إلّا إياكِ أرضي..
ما اختار جذعي وما هَوى..
يتألبون عليكِ و وحدي هُنا..
أُثبّت الحُبَّ..
أزرعني فيكِ..
ولا أنتفض..
جذوري منذ زمان تعمّقت..
وتاهت..
في خوابيكِ..
و وحدي..
قلبي لغير الجباه السُمر..
ما أثمر..
ولغير العيون السود..
أضاهيكِ في جنة اللّه..
من حِسنٍ..
ومن نشوة..
يا سرَاً يهرع لأعماقي..
فيحيني..
(9).
أرسمُ خطاً متعرجاً يربط بين قلبي وبينها وأحسر دمعةً في الوجدان مرساها شوقاً وهياماً وأنظر للجبال عاليةً، لسيدة الدهشة وأنا أفتح يديّ عن آخرهما أحاول أن أضم المكان، أن أجمع في جوفي ما استطعت من هواء يبعثر خوائي وشهقتُ رادفةً :
ضانا..
ناشدتُ فيكِ تيسراً..
يومَ سألته أينك؟
واستحلفتُ فيكِ دمه..
يومَ قُلتُ..
لا يسير هُو..
للوهم..
لا يسير لتخوم النهاية..
ما ضره لو أجاب؟
لو ما أشاح وجهه في الزحام؟
رشا تيسير الزيود