يواجه الصحفيون غالبا في بداية مسيرتهم المهنية متاعب قاسية ومريرة ناتجة في معظم الأحيان عن ضعف الخبرة والمراس في حياتهم العملية ، وحتى يكون الشخص صحفيا يتعين عليه الاستفادة من أخطائه بعدم تكرارها ، ولأجل ذلك يحتفظ الصحفي في ذاكرته الكثير من القصص والأوجاع التي مرّ بها وكابدها في حياته ، لكنّ بعضا من أخطائه قد يدفع ثمنها غاليا ، وهذا ما أدى بالعديد من المبتدئين الى ترك المهنة الصحفية واختيار مسار آخر لهم بسبب الفشل الذي وقعوا فيه ، وإنني أعترف بعد تجربتي المتواضعة في العمل الاعلامي ( صحافة واذاعة وتلفزيون ) والتي استمرت أربعين عاما ، أنني واجهت في مهنتي الكثير من المتاعب سواء في داخل الأردن أو خارجه ، حيث اُنهيت خدماتي عدة مرّات سواء بسبب هفواتي أو أغلاط محررين وفنيين خاضعين لمسئوليتي ، وأذكر أن واحدة منها كانت نتيجة خطأ مطبعي ورد في – مانشيت - خبر رئيسي بصحيفة مشهورة ، حيث استبدل الطابع – عن غير قصد - حرفا أبجديا بآخر ، ممّا غيّر المعنى الأصلي الى معنى قبيح أصاب أحد الحكّام العرب ، الذي انفعل كثيرا واستشاط غضبا فأمر بعزلي من العمل بصفتي المحرّر المسئول ، وبقيت مفصولا لعدة اسابيع حتى عدت ثانية بعد تدخل مستشاري الحاكم وإقناعه ببراءتي من ذلك الخطأ الفادح .
وبالعودة الى مغامرة هذه الحلقة فقد كنت في منتصف ثمانينات القرن الماضي صحفيا حكوميا في دولة الامارات أُرافق كبار المسئولين في الجولات الميدانية والمناسبات الرسمية ، ومن واجب الصحفي الحكومي خاصة الذي يعمل بحضرة الحكّام أن يلتزم بالتعليمات والتوجيهات ، ولا يوجّه سؤالا لحاكم أو أمير الّا إذا طلب منه ذلك ، وفي إحدى المناسبات التي رافقت فيها ولي عهد امارة رأس الخيمة الشيخ خالد بن صقر القاسمي والذي تمّ اقصاؤه من منصبه عام 2003 ، فقد كان موضوع المناسبة الاحتفال بيوم المعلم ، حيث خطر ببالي بعد ختام الحفل إحراز سبق صحفي ، فاقتربت من ولي العهد وفي يدي جهاز تسجيل وسألته على مسمع العديد من الحاضرين عن الخلافات بين الامارات وسلطنة عمان وايران حول مُلكية الآبار النفطية المكتشفة في مياه الخليج العربي وخاصة آبار صالح ، فاحتدّ الشيخ كثيرا وردّ بامتعاض قائلا ، ألا تعرف أن مثل هذا السؤال يجب أن يُقدّم مكتوبا الى الديوان الأميري خاصة من صحفي حكومي مثلك ؟ فكان جوابه صادما لي وبمقدوره أن يوقفني عن العمل لكنّ طيبة قلبه لم تسمح له بذلك ، فاعتذرت له ووعدته بعدم تكرار الخطأ ، فكان هذا الموقف المحرج وهذه المغامرة الساذجة درسا مفيدا لي بكيفية التعامل مع الحكّام والمسئولين .
لقد تسلم الشيخ خالد القاسمي الموجود حاليا في لندن منصب ولاية العهد منذ عام 1958 وحتى عام 2003 حين صدر مرسوم أميري من قبل والده الشيخ صقر بن محمد القاسمي باعفائه من منصبه ونفيه الى خارج الامارات وتعيين أخيه الأصغر غير الشقيق بموقعه ، وهذا الموضوع يحوي تفاصيل واسعة وأسرارا عميقة لا أسمح لنفسي بنشرها لأمانة المهنة ، وقد عُرف عن الشيخ خالد قوميته الصادقة وعروبته النقية وعداؤه الشديد لايران وللفرس بالذات ، وربما هذه السياسة ساعدت بعزله من ولاية العهد اضافة الى أسباب عائلية أخرى ، وللأمانة أقول أن الشيخ خالد – وعموم أفراد الأسرة الحاكمة - كان يحظى في بلده بمحبة واسعة واحترام شديد من سائر المواطنين والمقيمين .