زاد الاردن الاخباري -
في اقليم ملتهب تتصارع به القوى الدولية والاقليمية على تقاسم النفوذ ،بعد ان شاعت الفوضى واختلطت الاوراق وتداخلت الحدود وتأهبت قوى اقليمية ودولية لبسط نفوذها وسطوتها وسيطرتها على المنطقة بأكملها ،وبات منطق البقاء مرتبط بمنعة الدول وتماسكها ووحدة صف ابنائها، وفوق كل هذا حراك قادتها وتحالفاتهم الكفيلة باخراج دولهم من فوهة النار التي تأكل الاخضر واليابس بفعل قوى الظلام التي تتنصل الدول الكبرى من علاقتها بها من جهة ،وتمدوها بالاسلحة والعتاد وتفسح لها المجال لتعميق جراحنا ومعاناتنا من جهة اخرى ،في ظل هذا المشهد القاتم،هناك قادة ملهمون يتحركون شرقا وغربا ،يلتقون بمفاتيح الصراع وفواعله،يتنقلون لتقديم روايتهم وتصورهم ورؤيتهم للخروج من المأزق،يوصلون الليل بالنهار يختصرون المسافات والقارات ليكونوا طرفا فاعلا ،و رقما صعبا في منطقة تتغير وتتشكل من جديد .
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هو احد هؤلاء القادة الذين فهموا لعبة التوازنات ،وفككوا شيفرة المصالح المتداخلة للدول الكبرى التي تعبث بحاضر ومستقبل منطقة الشرق الاوسط ،واستطاعوا من خلال جولاتهم المكوكية وتواصلهم مع قادة العالم ان يعدلوا بوصلة مواقفهم المرة تلو الاخرى ،حتى تمكن من ان يرسوا بمركب دولته بر الامان .
اردوغان الذي توحدت تركيا بمختلف اطيافها السياسية في مواجهة الانقلاب العسكري الذي اراد ان يقوض النظام الديمقراطي في تركيا ،ادار دفة السياسية الخارجية بنجاح باهر،حيث بلغت المسافة التي قطعها في زياراته الخارجية 146 الف كيلومتر خلال العام 2016 فقط،اي ما يعادل 4 دورات حول الكرة الارضية تقريبا ،واجرى اردوغان 22 زيارة رسمية الى 20 بلدا اجنبيا مختلفا ،و استقبل في المجمع الرئاسي في العام المنصرم رؤساء 13 دولة والتقى في الخارج ب 37 رئيس دولة اجنبية .
هذا النشاط الاستثنائي لم يكن عبثيا، او لرغبة منه في التنقل والسفر، فعندما يدلهم الخطب ويصبح امن الاوطان مهددا ، لا بد ان تتحرك كل المسننات في الدولة ،الداخلية منها والخارجية،حتى لا يُترك شئ للصدفة،وحتى لا تَغفل القيادة السياسية عن متغير هنا او بديل هناك .
ولما كانت السياسة هي فن تحقيق اللاممكن ،ولما كان معيار النجاح في ادارة النزاعات الدولية هو تعظيم المكاسب وتقليل الخسائر ،واذا ما نظرنا للامر من زاوية المصالح القومية للدولة التركية،فان ما نجح اردوغان في تحقيقه من خلال حراكه ونشاطه الدبلوماسي دوليا واقليميا لهو امر استثنائي ولا يمكن ان يتحقق في غياب الرؤية وبعد النظر، تلك الرؤية التي كانت وراء النهضة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحققت فور وصوله وفريقه الى سدة الحكم.
وجلالة الملك عبدالله الثاني يعد من القادة القلائل الذين فهموا هذه المعادلة منذ بواكير تسلمه للحكم،وظل متحركا ديناميكيا ،في الوقت الذي يترك الغياب فيه متسعا للخصوم والاعداء ،وهامشا لتستحوذ رؤيتهم ووجهة نظرهم على المشهد،وعندما اندلعت الازمات في اقليمنا المكلوم ،تسارع حراك الملك ونشاطه ، وكان جزءا لا يتجزأ من كل لقاء يناقش مستقبل المنطقة،وبهذا الجهد استطاع الاردن ان يظل خارج دائرة اللهب ،وبعيدا عن التجاذبات والاستقطابات والاصطفافات ،ظل حاميا لحدوده وحضوره وحياده الايجابي ،وبذلك ظلت مصالحه مصانة وامنه بعيدا عن عبث العابثين.
الدستور