زاد الاردن الاخباري -
منذ أن بدأت أسعار النفط مسار الهبوط قبل ما يزيد عن عامين على خلفية الزيادة في المعروض العالمي التي قادها ارتفاع إنتاج النفط الصخري في أميركا، لم تستطع دول "أوبك" الـ 14 حتى الآن التوصل إلى اتفاق على مدى أربعة اجتماعات رسمية لوزراء الطاقة فيها، يفضي إلى تجميد الإنتاج عند مستويات متفق عليها لكبح التخمة وإعادة التوازن لأسواق النفط.
آخر محاولة كانت في إبريل الماضي عندما أصبحت المنظمة قاب قوسين أو أدنى من تفعيل اتفاق مبدئي على تجميد الإنتاج توصلت إليه في اجتماع بالدوحة مع موسكو، أكبر منتج للنفط الخام خارج المنظمة، وهي اليوم تضرب موعداً آخر في الجزائر على هامش منتدى الطاقة الدولي الذي تشارك فيه 72 دولة إضافة إلى الخبراء وشركات الطاقة العالمية.
وعلى الرغم من جرعة التفاؤل التي سبقت انعقاد المؤتمر، والتي منحت الأسواق بعضاً من الزخم النفسي، بدأت الآمال تتلاشى بعد توالي تصريحات سحبت سقف التوقعات نحو الأسفل، وهوت بالنفط 3% في إغلاق جلسة أمس الثلاثاء.
ففي الوقت الذي استبعد فيه وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، أن تسفر لقاءات الجزائر عن اتفاق لإعادة الاستقرار للسوق، وصف وزير الطاقة السعودي خالد الفالح المحادثات الجارية بين المنتجين بالتشاورية فقط.
أما وزير النفط الإيراني بيغن زنغنه، فأغلق أبواب المباحثات باكراً حين صرح بأن طهران ستوافق على تقييد إنتاجها فقط "قرب 4 ملايين برميل يومياً"، المستوى الذي لم تبلغه بعد إذ تضخ في الوقت الحالي 3.6 مليون برميل يومياً. فعلى ما يبدو تسعى طهران لاقتناص ما يفوق 12% من حصة "أوبك"، بما يعادل ما كانت تستخرجه قبل 2012، حين فرضت عليها عقوبات دولية بسبب برنامجها النووي.
نتيجة لذلك تعتقد إيران بأن حصتها العادلة في الإنتاج يجب أن تكون أكبر من حجم ما تضخه حالياً، والذي تقول إنه ينبغي أن يزيد حالما توقع طهران على استثمارات جديدة مع شركات النفط العالمية.
فعودة إيران إلى سوق النفط فور رفع العقوبات عندها بداية 2016، ارتبطت بسعي واضح لاستعادة حصتها السوقية القديمة أي 4 ملايين برميل يومياً، وهي بذلك فرضت مشهداً متكرراً على جميع مباحثات المنتجين ووضعت عصا غليظة في عجلة الجهود الرامية إلى ضخ انتعاشة في أسعار النفط، عبر تشبثها بمستوى إنتاج ما قبل العقوبات، حيث كانت كثالث أكبر منتج للنفط داخل "أوبك" بعد السعودية والعراق، تضخ ما يصل إلى 4 ملايين برميل يومياً، هبط إلى 2.8 مليون برميل في 2014 ليصل الآن إلى 3.6 مليون برميل يومياً، بعد أن سرعت طهران وتيرة الزيادة في الإنتاج في الشهور الأخيرة.
وتحاول إيران الدفع في اتجاه فرض استثنائها من تثبيت مستوى الإنتاج، قائلة إن إنتاجها ما زال في فترة التعافي بعد رفع العقوبات الغربية.
"أوبك" ضخت أيضاً مستويات قياسية في الشهرين الماضيين، عوض تراجع إنتاج ثلاثة من أعضائها هم فنزويلا وليبيا ونيجيريا نتيجة الاضطرابات السياسية داخلها، فيما تنتظر الأسواق تخمة إضافية من العراق وليبيا. وقد ارتفع إنتاج السعودية أخيراً من 10.2 مليون برميل يوميا ليقترب من 10.7 مليون برميل، نتيجة لتنامي الطلب المحلي خلال فصل الصيف.
ومقابل الموقف الإيراني، تتمسك السعودية بشرطها لتجميد الإنتاج وهو مبادرة إيران وباقي الدول المنتجة بالمثل. غير أن طهران قابلت المرونة التي أبدتها المملكة أمس برفضها عرضاً سعودياً يقضي بفرض طهران قيوداً على إنتاجها النفطي، مقابل قيام الرياض بخفض المعروض وليس تجميده فقط. وقالت على لسان وزير نفطها "إن الوقت الحالي ليس لصناعة قرار بهذا الشأن"، وإن محاولة التوصل إلى اتفاق ستتم في نوفمبر، في إشارة إلى اجتماع "أوبك" القادم.
على الجهة المقابلة، ورغم تصريحات موسكو المتكررة ودعمها لجهود إعادة الاستقرار لأسواق النفط، خاصة بتوقيع اتفاق مع السعودية لتنسيق الجهود في هذا الإطار، تمضي روسيا أيضاً في رفع إنتاجها الذي بلغ مستويات تاريخية فوق 11 مليون برميل يوميا، فيما تبدي شركات النفط الكبرى فيها وعلى رأسها "روسنفت" رغبتها في الوصول إلى طاقتها الإنتاجية القصوى حتى لا يشكل أي اتفاق للتجميد قد يتم التوصل إليه في المستقبل "تضحية كبرى".
وإن اختلف منتجو النفط الكبار حول حصصهم السوقية، فهم جميعاً يتفقون على أن هبوط أسعار النفط بحوالي 60% يلحق أضراراً باقتصاداتهم التي تعتمد عليه كمورد أساسي لميزانياتها، فالاقتصاد الروسي دخل في سنة ركود ثانية، فيما خسرت اقتصادات الخليج إيرادات نفطية بحوالي 370 مليار دولار مقارنة مع العام 2013، فيما تتعطش إيران للسيولة بعد خروجها من فترة عقوبات قاسية.
ويتوقف مدى تأثير أي اتفاق يمكن التوصل إليه على الشهر المرجعي لتجميد الإنتاج. وبحسب بيانات "أوبك" فإن التجميد عند مستويات شهر فبراير الماضي على سبيل المثال، يعني تقليص إمدادات الخام بـ 900 ألف برميل يومياً.
لكن، الصورة الأكثر وضوحا تتجلى في كون "الفشل في الجزائر" سيلقي بظلال أثقل على أسواق النفط، وسيخلق ضغوطا نزولية على الأسعار تفوق هذه المرة ما خلفه "الفشل في الدوحة".
العربية . نت