للمرة الثالثة على التوالي وخلال شهر رمضان ، يتم استهداف أجهزتنا الأمنية والعسكرية وزعزعة الثقة بها ، ففي بداية الشهر الفضيل خسرنا خمسة من مرتبات المخابرات العامة بهجوم مسلح في عقر دارهم ، وفي منتصفه سقط سبعة من منتسبي الأجهزة العسكرية والأمنية في تفجير سيارة مفخخة في المنطقة الحدودية الشمالية ، فأصابنا الرعب على حُماتنا ، إلى أن جاءت الضربة الثالثة القاضية، التي أدخلت إلى قلوبنا الخوف والقلق والشك بأجهزتنا المعنية في حماية وصون مصالح البلد ، من خلال نشر تقارير صحافية كشفت عن استغلال بعض العاملين بجهاز المخابرات لوظائفهم بقيامهم بالاستيلاء على أسلحة وبيعها في السوق السوداء.
الأمر لا يتوقف عند تصديق أو تكذيب، ما نشر في تقارير صحافية استندت على مصادر محلية وأمريكية، ظهرت في صحيفة "نيويورك تايمز" و"شبكة الجزيرة" القطرية، حول قيام الضباط ببيع الأسلحة، بدلا من القيام بدور الوسيط بين أمريكا والسعودية وإيصالها للمعارضة في دولة مجاورة تشهد حالة من الفوضى.
وبالعودة إلى ما نشر عن الأهداف المخفية للتقارير الصحفية التي تم كشفها الآن ، نجد أنها تنحصر بين خيارين أحلاهما مر ، فإما المقصود ايصال رسالة للقيادة والشعب، ومن قبلها المجتمع الدولي؛ بفساد أجهزتنا الأمنية التي لا نفخر بها فقط ، بل نتفاخر بأننا نسهم في رفد العديد من الدول العربية بالخبرات والتدريب والمساندة،وتشويه صورتها وزعزعة ثقتنا بها ، وإدخال الرعب والخوف إلى نفوسنا بأن القائمين على حمايتنا فاسدون بالأصل ، وأن هناك خطرا يهدد أمننا واستقرارنا ، وإما المقصود ، تصديق هذه المعلومات،بأن الخلل قد تسلسل إلى هذا الجهاز المنيع .
فيما لو فرضنا أن هذه التقارير صحيحة ، هل يعقل أن الجهاز الذي يتابع الجميع، لا يتابع منتسبيه ويطبق عليهم مساءلة؛ من أين لك هذا ؟ واستجوابهم حول ما ظهر عليهم من ملامح الثراء .
وهل من المعقول أن تكشف لنا متابعات خارجية، عن انتماء رجال مؤسساتنا الأمنية التي تقع على عاتقها مسؤولية حمايتنا من ضعاف النفوس، الذين يضمرون السوء بنا وبوطننا ؟
فبحسب التقارير أن ما كشف هذا الفساد، التحقيقات التي أجرتها امريكا للوقوف على حادثة اطلاق أحد أفراد أجهزتنا الأمنية النار على مدربين غربيين في حادثة الموقر، حيث أظهرت التحريات أن السلاح المستخدم يعود للمعارضة السورية وتم تسليمه للأردن ليقوم بعملية ايصاله .
بهذه الحادثة نسجل تجاوزا جديدا اصاب هذا الجهاز الحساس على مستوى المواقع القيادية ، وجاء الرد عليها سريعاً وكانت العقوبات رادعة، حيث قُدم اثنان من رؤساء هذا الجهاز للمحاكمة العسكرية ، أحدهم ما زال يقضي فترة محكوميته ، والآخر عاد لممارسة حياته ، ورغم كل هذا الحقائق والفرضيات ، إلا أن وجود بعض الفاسدين في أجهزتنا لا يعني فساد الجهاز كله ، لكن الأمر الذي يشابه الخيال ، أن يتم تسريح من تم ايقافهم على خلفية هذا التجاوزات واحتفاظهم بالمكافآت والأموال المستحقة، بحسب ما صرح به مصدر محلي للصحيفة الامريكية.
هل كان للجرأة التي مورست مرتين، ظهرت احداها عندما قدمنا معترفين بفساد من يجلس على رأس أكثر جهاز أمني حساس ،كان له تأثير سلبي على الجهاز مما اضطرنا إلى السكوت والتستر عما يجري "بمزاجنا ورغبتنا ".
بالله عليكم ، لا تدعو الشك يدخل إلى قلوبنا ، وإن غاب عنا جزء من الحقيقة أخبرونا حتى لا يتملك الخوف على محبوبتنا الأردن، خاصة ونحن في أمس الحاجة في هذا الوقت بالذات بعد انتشار الارهاب والعنف والفكر المتطرف ، إلى تأكيد ثقتنا بأجهزتنا الأمنية التي نعتز ونفتخر بها .
إن الفقر ليس بالأمر الجديد علينا ، فنحن بلد لا نعيش في بحبوحة ، ليتبدل فكرنا ومنظومة قيمنا وأخلاقنا ، ويصبح ارتفاع مستوى المعيشة الشماعة التي نعلق عليها ممارسة الفساد، والاستغلال الوظيفي من قبل بعض العاملين في جهاز أمني معني بضبط التجاوزات لتحقيق مكتسبات شخصية وتحقيق الثراء السريع .
وحتى نقفل باب الشك ونطوي صفحة الظن التي فتحت بحق أجهزتنا الأمنية ، واجب على أولى الأمر اصدار بيان توضيحي حول القضية ، اما بالنفي القاطع ، أو وضع حقيقة الأمر أمام المواطن الذي يبحث عن الحقيقة ، والتي لن يجد الجواب الشافي عليها إلا بتوضيح من قبل الجهات المعنية .
اتقوا الله فينا ، فمنذ بداية الشهر الفضيل والغموض يلفنا ، والقلق بدأ يعرف طريقه إلى قلوبنا ، وثقتنا بأجهزتنا الأمنية بدأت تتزعزع .. ارحمونا ، وأسمعونا كلمة رحيمة بنا، في هذه الأيام المفترجة .