دم حلب كدم يوسف عليه السلام ؛ جميع الأطراف رفعت يدها عن مسؤولية دمار حلب وموت أهل حلب وبقية ومن تبقى من أهل حلب ، وهناك من ارجع للذاكرة حلب أيام الرئيس الأب الأسد، وتستمر الوقاحة التاريخية بإستباحة دم حلب بأن يعلق أحد اعضاء مجلس الشعب بأن حلب اليوم " كباب ومشوي وشوية طائرات تنظفها كما تنظف الجرافة القاذورات " ، والكبار يلعبون بالدم الحلبي كما تغنى الكثيرين بالقدود الحلبية .
وحلب تقف وحيدة كمدينة وتاريخ بدون سكان؛ وحدها أمام التاريخ عارية بعد أن خلعت قدودها كما خلع سكانها من جغرافيا البشرية ، وهناك من يسهر في الليل على كلمات أغاني حلب التراثية وهو يشاهد الدم الحلبي مهدورا ويصرخ مع كل موال ويقول " الله " ، ويصدح صباح فخري بكلمات الآذان مع خلفية موسيقية وهو يطلب من ذات النقاب بأن ترحم وتحن على من قد شمر ساعديه للصلاة بعد أن وقفت له أمام المسجد ، وحلب تنتهك عذريتها في محراب الدين وبعد كل صلاة بأسم ثلاثية الدين السماوية .
وليس ببعيد عن القدود الحلبية وذات النقاب يقف الخازوق التركي التاريخي يراقب وينتظر متى تصرح حلب أخر صرخاتها التي تعني أن الخازوق قد وصل الروح من أسفل فتحة في الجسد الحلبي ، وهي نفس صرخات مرافقي صباح فخري في طربه الحلبي مع كورسه وبقية المتغنين بالقدود الحلبية ، وفي زاوية من المشهد الحلبي نجد " تخت شرقي " وقد فرض القحبنة العربية على الواقع وأصبحت جزءا رئيس من ثقافة سوريا ما قبل الموت الحلبي .
وساضع على عيني نظارات الحلم الطفولي كي اشاهد غوار الطوشه وهو يبيع علينا شوية قوميه مع مقبلات للنكتة السورية ، وعندما اخلعها بعد ان يخترق الخازوق التركي رأس حلب ستكون حلب قد دفنت في مقابر جماعية للتاريخ العربي ...وعلينا ان لاننسى قرابيج حلب وطعمها .