زاد الاردن الاخباري -
أعجبني تقرير مصور يجمع عدد كبير من الشهادات الإعلامية التي تؤكد أن الأردن قوي ومستمر رغم الظروف السيئة جدا التي يمر بها، ولكن لم يعجبني في التعليقات على ذلك التقرير أن البعض نسب الفضل في ذلك لهذا أو لذاك ولم ينسب الفضل لله عزوجل ثم للشعب الأردني نفسه الذي صبر وكابر وحافظ في ذات الوقت على وطنه ومنع أن تمتد أيدي الغدر إلى متن الوطن وظهره وحارب الفتنة التي راهن الجميع أنها ستفتك بشعب الأردن، من كافة المنابت والأصول في أول منعطف حاد.
تعود الذكريات إلى العام 2010 حين بدأنا بمهاجمة حكومة الرفاعي قبل أن تظهر بوادر الربيع العربي بشهور، واذكر شخصيا أنني كتبت مقال للسيد سمير الرفاعي في نوفمبر 2010 وتم أرشيفه كأول مقال يذكر في عنوانه كلمة "إرحل" قبل 25 يناير وقبل وفاة البوعزيزي، وأن جمعة الغضب الأردنية الأولى في 14 كانون الثاني 2011 سبقت كل جمع الغضب العربية بل كانت نموذجا لها، ولكن أذكر أيضا أن الأردنيين، ورجال الشرطة الأردنية كانوا أيضا نموذجا مثاليا للثورة الغاضبة الهادئة، فكانت غاضبة على الظروف والفساد والأسعار والحكومات وكانت هادئة بسبب طباع الشعب الأردني الذي يحب وطنه ويعشقه ويرفض المساس به من جهة ومن رجال الأمن الذين استوعبوا ذلك الموقف وقاموا بتوزيع الماء والعصير على المتظاهرين من جهة أخرى وقمنا أيضا كإعلاميين بالترويج لذلك، وتم نشر تلك الصور في كل وسائل الإعلام، وقمنا بذلك من باب المسؤولية وحب الوطن ولم نقم بذلك النشر في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي تنفيذا لأوامر فلان أو علان كما ادعى البعض.
لا أريد التحدث مطولا عن ذلك التاريخ، مع كل ما ضم من مواقف واسرار لن نكشف عنها الآن، ولكن استثارني ويستثيرني حين أسمع أن أحدا ينسب الفضل لنفسه أو يظن أن مخططاته وقدراته الخاصة كانت وراء مرور ثورة الغضب الأردنية مرورا هادئا ولطيفا أو يروج أنه كان وراء السيطرة على الشعب الأردني في تلك الظروف وأريد أن أوثق لكل من يقرأ هذا المقال أن الفضل يعود لله وحده ثم لطبيعة الشعب الأردني نفسه وليس لشيء أو لأحد آخر، مهما تبجح الآن وذكر أو ذكرت مؤسسة أو وزارة أو رئيس أنهم كانوا عباقرة في إخراج الأردن من عنق زجاجة ثورة الغضب وأقول لهم أنهم مجرد متبجحون وأن شعب الأردن الطيب المعطاء قد أدرك في مراحل كثيرة أن السكين قد بلغت عنق الوطن وأن المجال ليس مفتوحا للإستمرار الذي قد يؤدي إلى ذبح وطنهم الغالي عليهم فتراجعوا وتراجعت كثير من فئات الوطن المحبة العاشقة المتيمة بتراب الأردن، وأن الأردنيين من أصول غير شرق أردني كان لهم الفضل الذي لا ننساه أبدا في عدم المشاركة من قريب أو بعيد في تأجيج الأحداث وجعلها دامية مع أن المندسين حاولوا زجهم أكثر من مرة ولكن حبهم للأردن واعترافهم بالجميل لهذا التراب جعلهم يقفون موقفا رجوليا شجاعا في عدم الخوض في الفتنة التي كادت أن تودي بهذا الوطن العزيز.
بالطبع لا نقول أن التراجع عن الإصلاح كان هدفا بل كان التراجع عن الوقوع في مستنقع الفتنة اللئيم الذي كان يهدد الأردن هو الهدف الأسمى مع المحافظة والإلحاح على الإصلاح الذي لم نبلغه بعد وما زلنا نتأمله، ولكننا وفي ذات الوقت علمنا أن الثورة العربية تم تزييفها وقامت جهات كثيرة بركوب موجتها وكانت تهم بسحق الأردن بمن فيه، فأدركنا، وقصدي الشعب وحده، أن ذلك لا يناسبنا وليس ما نأمله ونتمناه فتراجعنا ووقفنا موقف ظن البعض أنه جبن منا في ذلك الوقت ولكنهم أدركوا الآن أنه الحق وأننا نحب وطننا إلى الحدود التي لا يمكن لهم تخيلها.