رغم احتفاءنا بِ أم المسلمين " انجيلا ميركل " ، التي نقدم لها على طبق من ذهب كل احترام وتقدير ، فانه لا يجب علينا مطلقا أن تغيب عنا صورة الجنود الأردنيين في جيشنا العربي الأردني ، الذين كانوا اول من استقبل واحتضن افواج اهلنا القادمين من سوريا ، واذا كانت ميركل نجاشي الحبشة اليوم ، فان جيشنا الباسل هم الأنصار ، الذين استقبلوا اهلهم المهاجرين من سوريا ، والذين ما تركوا بلادهم من اجل دنيا يصيبونها ، انما يفرون بأنفسهم واطفالهم واهليهم ، من دمار وخراب اصاب بلادهم ، هذا الجيش الذي عمل على تقديم كل ما يسهل دخول السوريين الى الأراضي الأردنية ، خوفا وهلعا عليهم من موت ربما يكون محققا لو بقوا في بلادهم ، ورغم شُح امكانياتنا الأردنية ، إلا أننا استطعنا استيعابهم والتعايش مع وجودهم ، فمنهم من اقيمت لهم المخيمات لإيوائهم ، ومنهم من حلّ ضيفا على أسر أردنية ، ومنهم من استطاع أن يكيف نفسه بنفسه في المجتمع الأردني ، وبالمقابل على اخوتنا السوريين أن لا ينكروا كرم الأردن تجاههم ، حتى لو كان دون المطلوب ، ف بالتأكيد أن امكانياتنا في الأردن ليست على ما يرام ، وكلهم يعرفون ذلك ، ولكننا على الاقل حاولنا ولم نغلق حدودنا ، ولم نُشح بوجوهنا عنهم ، في وقت اغلقت دول الخليج حدودها امامهم ، واشاحوا بوجوههم عنهم واداروا لهم الظهور ، فكنا بذلك السباقين في استضافتهم وايوائهم ، واستحقينا بكل جدارة أن نوصف ب الأنصار ، الذين أووا اخوانهم المهاجرين ، وحاشى أن اقول ذلك من باب المنة عليهم ، فما قمنا به تجاههم ، إنما املاه علينا الضمير واحساسنا بأننا اهلهم وهم اهلنا ، ف الشعب السوري بشكل خاص ، تربطنا معهم صلات القربى والنسب والمصاهرة ، فلا منة لأحد منا على الآخر .
لا احد ينكر على السوريين مغامرتهم بركوب البحر هربا وبحثا عن مأوى لهم ، يفرون بارواحهم وقليل من كرامة انسانية تبقت لديهم ، يحملون ارواحهم بأكفهم واطفالهم على اكتافهم ، وهم يعرفون جيدا مالذي يمكن أن يلحق بهم جراء مغامرتهم ، شعارهم الموت ولا المذلة ، يحذوهم الأمل بأن يطلع عليهم فجر يوم جديد يكون فيه حالهم افضل ، في دول تحترم حق الانسان بالعيش دون النظر الى الدين والعرق ، وتحترم القيم التي نشأت عليها ، ومن منطلق تلك القيم دعت المستشارة الالمانية دول اوروبا لاقتسام اعداد المهاجرين فيما بينها ، كما انتقد وزير الخارجية الفرنسية ، نية المجر بناء سياج شائك عل شواطئها ، منعا لدخول المهاجرين لأراضيها ، معتبرا ذلك مخالفا للقيم الأوروبية ، مما اثار إستياء المجر ، والمحصلة أن المانيا وشعبها هزؤونا بما يكفي ، حين استقبلوا المهاجرين اليها استقبالا لم يألفه الشعب السوري في بلاده ، وها هي بريطانيا تعلن وعلى لسان رئيس حكومتها ، عن استعدادها لاستقبال الآلاف من السوريين ، وستفعل ذلك باقي دول اوروبا ، ورغم هذه الانسانية التي ابدتها المانيا ، تخرج علينا الاصوات من هنا وهناك ، لتدّعي أن استقبال اللاجئين يهدف الى تنصيرهم ، وتركهم لدينهم الاسلامي ، وآخرون يتساءلون عن التوقيت والسبب في ايوائهم الآن وبعد خمس سنوات من الحرب ، مشككين في النوايا ، ولا استغراب في ذلك فقد اعتدنا نحن العرب أن نشك حتى في أنفسنا ، ونمتاز بأننا نؤمن بنظرية المؤامرة ونربطها بكل عمل يقوم به الآخرون ، ولكني لا ارغب أن اشوه تلك الصورة الالمانية المبهجة ، وسابقيها في اطارها الانساني ، بعيدا عن التشكيك وربطها بالمؤامرة .
فعلتها أم المسلمين " انجيلا ميركل " ، واقنعت شعبها الالماني بضرورة الاستعداد لاستقبال المزيد من المهاجرين والتعايش معهم ، هتف الاطفال باسمها وبكت الامهات في حضرتها ، واعلن الآباء ولاءهم لوطنهم الجديد المانيا ، ولمَ لا يكون الولاء لِ المانيا ، لمَ لا يكون الولاء لأي دولة اوروبية تستقبل مهاجرين من كل اصقاع الدنيا ، وبماذا افادنا ولاؤنا لأوطاننا العربية ، وماذا قدمت الأوطان العربية لأبنائها ، غير الذل والهوان ، والبطش والقهر والفقر والحرمان ، ولا ينطبق هذا على السوريين فقط ، وإنما على كل عربي يعيش في وطنه ، إن مقدار الولاء لأي وطن هو بمقدار ما يقدمه الوطن لمواطنيه ، ملايين العرب يحلمون بالهجرة من بلادهم باتجاه اوروبا وامريكا ، وحتى امريكا اللاتينية ، ولو سمحت تلك الدول لكل العرب بدخول اراضيها والاقامة فيها ، لبقيت الأنظمة العربية المهترئة تحكم نفسها وحاشيتها ، حيث لن يبقى عربيا واحدا في بلد عربي ، طمعا بالأنسانية والحرية والكرامة اولا ، وتحسين الظروف المعيشية ثانيا ، ومن خلال تجربة شخصية لي اقول ، أن المهاجر العربي في اوروبا ليس غريبا ، ولا هو من كوكب آخر ، بل أن غربة العربي تكون في وطنه ..