وطني الكبير

مسكين أنت يا وطني الكبير , كالشياة المذبوحة المعلقة على أعود الجزارين . لكن ثمة فرق ,فشاة الجزار ذابحها واحد وأداته واحدة ,أما أنت فجلدك وجسدك ورأسك وأطرافك كل مستباح ,الجزارون كثر والذبيحة واحدة ,فبت لقمة سائغة لعابري الطريق ,لقمة سائغة للمارقين على التاريخ , وللمارقين على الجغرافيا,وللمارقين على الدين .

تكالبوا عليك تتكالب الاكلة على قصعتها ,تارة باسم الدين ,وتارة باسم النخوة والتحرير ,وتارة للتوسع والتدمير .قطعوك أربا , ولاذ كل بما كسب , وأرسلوا لك من يجيد التقطيع وطحن العظام حتى صار من الصعوبة بمكان جمع أشلائك من جديد ,فلم تعد ملكا لساكنيك ,ولم تعد ملكا لحاكميك ,بل أمسيت ملكا للطامعين من الجزارين والمارقين .

نهبوا ثرواتك ,وأنت الغني ,وقتلوا شعبك وأنت الأبي ,وأطفئوا شمسك وأنت البهي, جعلوك أبناؤك يلهثون خلف لقمة العيش , وأفقدوا شعبك الثقة في غده ,وقتلوا الأمل في الأجنة التي ما زالت تقيم في الأرحام ,وبات حليمهم أكثر حيرة من جاهلهم .

نصبوا مقاصلهم في أصقاع أراضيك , وعلقوك على مقاصل التاريخ ,قطعوا أوصالك ,وأنسوك حليب العروبة الذي رضعت وأرضعت ,وأسقوك لبان الخوف والرعب,فبت تنام مرتجفا وتصحوا مرتجفا , ذبحوا آمالك بيديك ,وزرعوا بذور اليأس في بنيك , فبات بنوك لا يأمنون القادم من الساعات ,وبات بنوك يخافون على أنفسهم من أنفسهم, ونزعوا ثقنهم من أنفسهم .

أتوك بمن يتعامل معك على اساس الربح والخسارة . فبت سلعة في سوق التجار ,تجار الموت وتجار القتل وتجار السلاح وتجار هواة التوسع والتمدد, ولم تعد سوى رقما في سوق البورصة العالمي ,والبورصة لا يديرها سوى من كان ذو مال أو نفوذ .

بت رخيصا , يقتل بنوك جماعات لا فرادى,فقد أنشأوا سوق جملة للقتل كذاك الذي تباع فيه سلع الطعام والشراب ,وأنزلوا عليك سحبا من الدخان ,تغلف براميل الموت ,وتطمس معالم الوجوه .

أقنعوك أن قدرك ان تبقى مهزوما ,مدخورا مخذولا تعتاش على هامش الأزمان .أقنعوك أنك لست أهلا للتقدم والتطور وأن قدرك أن تبقى تابعا لا متبوعا ,أقنعوك أن ماضيك أضل من غدك لتلقي عصاك وتستريح, وتدعهم يرسمون لك مستقبلك بمداد يختلط بدماء الشرفاء من بنيك.

لكن الله على كل شيء قدير , فلا غيره يحيي العظام وهي رميم , ولا غيره يغير ما بالقوم إذا غيروا ما بأنفسهم .