المرياع هو قائد قطيع الغنم الذي يعتمد عليه الراعي في توجيه غنمه.
والمرياع محبوب من كافة أفراد القطيع ودائما ما يسيرون خلفه وهو خروف كثير الصوف، جميل الصوت، ويتم إخصاؤه كي لا ينشغل عن وظيفته الأساسية وهي ( قيادة القطيع )، أما عن جمال صوته فذلك لأن أفراد القطيع غالبا ما يتبعونه مطأطئي الرأس مستمعين لصوته الجميل دون الحاجة لمشاهدته أو مشاهدة ما يجري حولهم .
يقوم راعي قطيع الغنم بقص مقدمة قرونه تجنبا لنموها، فيحول ذلك بينه وبين الدخول في معارك ضد خراف أخرى قد تصرفه عن مهمته الأساسيه، كما قد يتسبب هذا العراك في انشقاق بعض أفراد القطيع والخروج عن تبعيتهم له.
عادة ما يعلق جرس أو أكثر في رقبة المرياع يحركه فيحدث صوتا أثناء الحركه والمشي فيسمعه باقي أفراد القطيع فيستمرون في تبعيته والمشي خلفه أينما توجه وإن كان ذاهبا الى أماكن ذبح أفراد القطيع!
يُدرب المرياع منذ صغره على اتباع الراعي والمشي بجواره وخلفه وأينما اتجه باستخدام الضرب والركل والإساءه.. من أجل الاطمئنان من تأديته لمهمة انقياده للراعي كيف يشاء.
كما يعتاد المرياع على عدم الخوف من الكلب الذي يحرس القطيع فهما معا دائما في خدمة سيدهم ( راعي القطيع ) .
يتميز المرياع بالذكاء وقابليته للتعلم ويتسم بالطاعة والرضوخ للراعي الأمر الذي يمكنه من قيادة قطيعه بسهولة ويسر إلى أماكن ورود الماء والكلأ، والعودة منها حتى وإن لم يشبعوا أو يرتووا من الماء فهم يسيرون خلف المرياع أينما سار وإن كان المسير سينتهي بموتهم!
نخلص وننتهي بأن أهم خصائص المرياع هي عدم قابليته للإخصاب أو للدخول في المعارك التي تخوضها أكباش القطيع أثناء مواسم القراع، وهو المدلل المطاع بين أفراده.
فماذا إذن عن وجه الشبه بين مرياع راعي قطيع الغنم ومرياع الحاكم المستبد المتمثل في عالم أو مثقف السلطة .
إن الإخصاء الذي يُمارس على مرياع قطيع الغنم يُمارس مع عالم السلطة، ومع مريديه من طلبة العلم منذ إعداده لهذه المهمة، فعالم السلطة مخصي فكريا ولا ينتج فكرا جديدا ولا تتلاقح أفكاره مع الآخرين وكي ينجز مهمته تُسخّر له الآلة الإعلامية كهذا الجرس الذي يحدث صوتا من رقبة مرياع الراعي فيتبعه القطيع أينما توجه.
هذا الإخصاء الفكري هي المهمة الأساسية التي يسعى من أجل تحقيقها الحاكم المستبد من خلال عالم السلطة ومثقف السلطة مع أبناء أمته كما حال المرياع مع الخراف في المرعى، هذا ما يحدث مع أي دولة تُدار بعقلية راعي الغنم بعد أن أصبحت كالحظيرة الكبيرة، أو كالمرعى المسور.
يقول الحق سبحانه ( قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) صدق الله العظيم.
هكذا تدار دائما الأنظمة الإستبدادية لا يشييدون صروحهم ولا تستقر أنظمتهم إلا على تجهييل وتغييب وعي الشعوب وتزييف حقائق التاريخ لهم.
ومن هنا فإن مسألة تغيير الأنظمة مرتبطة بوعي الناس وتحقيق أمنهم الفكري، وهو لن يتحقق إلا بمعرفة حقائق الأشياء والأحداث معرفة حقيقية.
إن هذه السحب الفكرية السوداء المفتعلة والمدبرة للنيل من حرية الشعوب وقوتهم يجب أن تنقشع أولا أمام أعينهم وعقولهم، ولا مناص لهم غير تفعيل شرط القراءة المستنير بأنوار ربه وهو لا يكون إلا (باسم ربك) وليس باسم الحاكم أو السلطة أو الهوى - هنا وهنا فقط - ستنجلى الحقائق ويدركون الفارق الهائل بين العيش باسم ربك في عالم المؤمنين الفكري والمعيشي والعالم الفكري للإنتهازيين المستبدين الذين غضب الله عليهم .
من هنا ومن هنا فقط - يستطيعون الخروج من جحر الضب الذي أدخلتهم فيه أنظمتهم الجبرية، فعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه"، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟"
فهذا العنت والضنك والظلم والقهر والإذلال الذي يشعر به الغني والفقير هو بسبب وجودنا في جحر الضب الذي أنشأته الأنظمة الإستبدادية، فلا روح ولا حياة فيه ولن يكون.
فهلا نبدأ بالخروج إلى الأمن الفكري كما أراد الله لنا وأخبرنا كيف يكون .
فإنه أذا أردت أن تبني معرفة حقيقية وتتكشف لك الحقائق فلتكن بداية السير ( باسم ربك ) .
ألا إن في الدين عدل وكرامة وحياة وفي الكفر ظلمة وظلم وممات.
أسأل الله تعالى أن يجمع علماء ومفكري الأمة الصادقين على وحدة فكرية تمهيدا لوحدة اسلامية.