زاد الاردن الاخباري -
لم يكن اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة في نهاية شهر نيسان الماضي بالمنسق العام لمبادرة "زمزم" د. ارحيل الغرايبة باللقاء البروتوكولي العابر، الذي يستهدف فقط الاكتفاء بتبادل كلمات المجاملة والتقاط الصور التذكارية، خاصة ان مثل هذه اللقاءات بين رئيس مجلس النواب وقيادات حزبية تجري في مكتبه الرسمي لا تزال من المرات المعدودة سواء في هذا المجلس وفي المجالس السابقة.
ولم يكن لقاء عابرا لكونه كان يستهدف مد جسور الاتصال المباشر بين حركة زمزم المتمردة على الجماعة الأم "الإخوان المسلمين"، وتيار برلماني يمثل في حينه كتلتين نيابيتين هما وطن "18 نائبا" ، والوسط الإسلامي "16 نائبا". وكانا قد خرجا لتوهما من الإعلان المشترك عن تحالفهما البرلماني في إطار برامجي.
د. غرايبة "صاحب زمزم" وبرنامجها الإصلاحي الذي يستهدف تهذيب خطاب الحركة الإسلامية الأردنية من داخلها على أسس محلية بالدرجة الأولى والأخيرة "الأردن أولا" تتقاطع وبالضرورة مع الأسس العريضة التي جمعت كتلتي وطن والوسط الإسلامي في تحالف نشأ بينهما مبكرا في الدورة غير العادية، ومن المنتظر ان يتسع هذا التحالف ليضم نواب المبادرة النيابية التي تعتمد في جوهر عملها على البرامج الخدماتية والاستراتيجية بعيدة المدى.
تلك الزيارة التي بدت غير مسبوقة للقيادي الإسلامي البارز المثير للجدل د. الغرايبة لرئيس مجلس النواب بدت وكأنها تبحث عن قواسم مشتركة تستهدف بالدرجة الأولى بحث قيادة زمزم عن أرضية صلبة تعمل معها على مبدأ الشراكة. ولم يجد الغرايبة وجمهور زمزم غير التوجه الى مجلس النواب مباشرة والى رئيسه عاطف الطراونة الذي يقف في مقدمة التحالف الكتلوي الذي يضم في عضويته 34 نائبا، ويطمح لتوسيع رقعة تحالفاته لتشمل "نواب المبادرة" البالغ عددهم 35 نائبا.
زمزم ممثلة بمنظرها د. الغرايبة توافق مع رئيس مجلس النواب في حينه على "عمل مشترك يدعم تقديم مقترحات اصلاحية بالتعاون مع الائتلاف النيابي، وعلى عقد لقاءات مشتركة بين اعضاء الائتلاف النيابي ومبادرة زمزم بغرض التوافق على الافكار والاهداف المشتركة، وفي حال تم التوافق على برنامج مشترك وعرضه على الائتلاف النيابي والمبادرة سيعلن عنه ويدخل حيز التنفيذ".
هذا هو الإعلان الرسمي الذي صدر عن لقاء الطراونة ــ الغرايبة في نهاية شهر نيسان الماضي، وبالرغم من مرور نحو ثلاثة اسابيع على ذلك اللقاء الاستثنائي إلا ان أي لقاءات مما أعلن عن عقدها لم يجر ولم يحدث علنا، ولا نستطيع الجزم فيما إذا جمعت بينهما لقاءات سرية أم لا، فحتى الذين سألناهم لم يستطيعوا الإجابة نفيا أو تاكيدا.
بدت "مبادرة زمزم" بحاجة لرافعة قوية ممثلة بالبرلمان لإضفاء شرعية مضافة على وجودها، فضلا عن حاجتها الى مؤسسة رسمية لتحمل معها مشروعها وبرنامجها، وبدا تحالف "وطن والوسط" بحاجة هو الآخر لواجهة حزبية وسياسية ممثلة بــ "زمزم" لاتزال مولودا كبيرا في رحم الإخوان المسلمين بكل ما يحمله هذا التكوين الجنيني المقلق من دلالات، وبدا "نواب المبادرة" الذين يقفون على سدة انتظار تهذيب تحالف "وطن والوسط الإسلامي" لتوسيع مظلة الغطاء البرلماني على برامجهم وأفكارهم وطموحاتهم ليعلنوا مشتركين عن ولادة تحالف برلماني برامجي قد يكون الأوسع في تاريخ البرلمان الأردني منذ سنة 1989 حتى الآن.
هذه الخارطة "البرامجية والمصالحية" قد تقود في النهاية الى تحالف برلماني داخلي وخارجي يبدو وكأنه تحالف برامجي مركب يستهدف كل طرف فيه تحصين وجوده وتعزيز مكانته في جغرافيته السياسية، ومن هنا بالذات سيتحول هذا التحالف الى قوة تستند في شقيها الى سطوة برلمانية داخل المؤسسة التشريعية ستسمح للتحالف البرامجي تامين قوة برلمانية تساعد في تامين تمرير ناعم للقوانين والتشريعات ذات العلاقة بالبرامج من جهة، والبحث عن امتداد شعبي وحزبي خارج المؤسسة البرلمانية من خلال "زمزم" التي تريد في النهاية إيصال رسائلها الى بيتها الأم "الإخوان المسلمين" بأنها "شبت عن الطوق ولم تعد بحاجة لمن يتولى رسم خطواتها ومصيرها".
وهذه الخارطة هي ذاتها التي من المتوقع أن ترسم ملامح مرحلة قادمة داخل مجلس النواب وخارجه، وهذا ــ ربما ــ ما بدأت مفاعيله تظهر الى العلن، عندما بدأ الحليف المرتقب "المبادرة" بالإعلان عن مواقف جديدة تجاه الحكومة بدت في جوهرها ومضمونها تذهب لإعلان الطلاق بينهما بالرغم من أن حالة الزواج المدني بينهما استمرت لنحو سنة دون أن ينتج عنها ما يمكن اعتباره منجزا يشار اليه بالبنان.
الأيام المقبلة ستشهد تقلبات وانقلابات داخل الوسط البرلماني، وبدخول "زمزم" على الخط، سيصبح لهذه التقلبات والانقلابات نكهة مختلفة سيحسها كل من سيقترب من مشهد التحالفات المقبلة سواء أكانت على أساس برامجي، أم أساس ثأري، أم أساس تكتيكي، أم حتى أساس انقلابي.
العرب اليوم