اصحاب الدولة والمعالي اصحاب العطوفة والسعادة ، اصحاب الالقاب والمقامات الزائلة بزوالكم ، اتركونا وشاننا واتركوا الوطن ودعوه للجندي والعامل والفلاح والراعي والطالب والفقير والمواطن البسيط و ( حلّوا عنا ) ، فانهم قادرون على حمايته والحفاظ عليه ، من دونكم انتم الذين تفضون غشاء بكارته كل يوم وتفرغونه من كل معانيه ، اتركوا الوطن لأبنائنا واحفادنا ودعوهم يكبروا فيه ويكبر فيهم ، فالوطن حكاية من حكايات جداتنا ، ولا صون لنا ولا كرامة إلا بارضه .
اتركوا لنا الوطن وخذوا كل شئ وكفاكم ايذاء لنا وهدرا لكرامتنا وهدما لنسيجنا ، خذوا كل ما اكلتموه وشربتموه ونهبتموه وسرقتموه وادخرتموه ، وسنسامحكم ، بشرط أن تغادرونا وتتركوا لنا وطنا نحيا فيه ويحيا فينا ، فوالله إنّا اقدرمنكم على اعادة الحياة والروح لجسده الذي نهشتموه ، اتركوا لنا الوطن يا سادة يا عظام ، وكفاكم تدميرا لآمالنا وطموحاتنا التي لا بمكن لها أن ترى النور بوجودكم معنا ، اتركوا لنا هذا الوطن فهو لنا رحم الأم الذي فيه كنا نُطفة ثم علقة ثم مضغة ، ثم فيه وعلى ترابه خلقنا رجالا ونساء احرارا وحرائر ، هذا الوطن بالنسبة لنا هو ثدي الأم الذي شربنا منه حليبا نقيا صافيا ممزوجا بالحب والوفاء والفداء ، وهوغير الحليب الذي انتم شربتموه ، وهو بالنسبة اليكم مجرد رقم يزيد ويتضاعف ، هو لنا شجر التين والزيتون والرمان وسنابل القمح وزهور السوسنة السوداء ، وبالنسبة لكم هو كرسيا بمقاس مؤخراتكم ، وهو لنا الدار القديمة المبنية جدرانها من الطين وسقوفها من جذوع الشجر والقصب ، التي ولدنا فيها ولعبنا مع اولاد جيراننا ( الطمّاية والطاق طاق طاقية ) ونشأنا حتى كبرنا وكبُر معنا الطموح الذي وأدتموه قبل أن يرى النور ، وهو لنا المعوّل والمنجل والمحراث ، وهو عندكم مجرد حجر وتطاول في البنيان والعمران والسفر والترحال ومصالح ونفوذ وسلطة .
كل البشر في كل الدنيا يحلمون وتتحقق احلامهم ، إلا نحن لا نستطيع أن نحلق باحلامنا لأبعد من سقوف بيوتنا لترتد علينا ، مع العلم أننا لا نحلم ولا يمكن أن نحلم اصلا باكثر من وطن بسوده العظمة والشموخ والكبرياء ، نعيش فيه بكرامتنا الانسانية والقليل القليل من الرفاه والرخاء الاقتصادي ، وكم نشعر بانقباض النفس وانكماش الروح حين تتقيد احلامنا ولا تتحقق ، وحين تصغر المساحات التي يمكن لتلك الاحلام أن تتحرك فيها ، ولكنكم حتى الاحلام تفرضون عليها الضرائب والاثمان وضريبة الضريبة لتمنعوها عنا .
ماذا نقول لأبنائنا واحفادنا غدا عندما يسألونا عن الوطن ، ماذا نقول لهم عندما يسألونا عنكم وعن منجزاتكم واعمالكم وابداعاتكم ونظرياتكم وابحاثكم العلمية والفكرية والثقافية ، هل نجيبهم ونخبرهم عنكم ونقول لهم من انتم ، ام نصمت ليفهموها هم وحدهم ، ماذا ستكتبون في تاريخ الوطن ، هل ستكتبون الحقيقة ام انكم سوف تلفقونها كعادتكم دوما ، ماذا سنقول لأبنائنا واحفادنا عن كل الحكومات ورؤساء الحكومات واعضاء الحكومات وسائقي الحكومات وبوابي الحكومات وصبابين القهوة عند الحكومات وسحيجة الحكومات ، ماذا سنقول لهم عن مجالس النواب وفزعاتهم وطوشاتهم وصرخاتهم المدوية وبالوناتهم المنفوخة فقط بالدعاية والاعلان لأنفسهم ، اومجالس الاعيان ووداعتهم اومدراء الدوائر وحتى رؤساء الاقسام في الوزارات ، وحتى لا نقول لهم عنكم شيئا يا اصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة ، اسمعوا منا وحلّوا عنا ..