زاد الاردن الاخباري -
ت.س. إليوت
كان الخلق قديما يتلمّظون بعبارة مكرورة، تحمل في طيّاتها أسىً سقط بالتقادم وكثرة الاستعمال؛ فانسحبت عليه ذيول النسيان، فهم عنه عَمون غافلون.
لطالما سمعنا في سالفات الأيام ومواضي الليالي، هواء يصك الآذان، يستحيل في الصماخ كلاما تفقه معناه بما هو مركّب إضافي، حتى إذا جئته لم تجده شيئا، أعني في هذا المقام مصطلح "هجرة العقول".
لكنك إذا تأملت ما تحت اللفظ من معان، أيقنت أن اللفظ أجوف، لا عربية له، بل هو أشبه بالرقم على الماء، أو بالكلام المرقوش على جُدر المقابر في غابرات السنين!
لم تعد هجرة العقول شيئا مذكورا بالقياس إلى هجرة القلوب، الملأى بالحسرات، بحيث لو أن نفرا كثيرين فتّحت لهم أبواب الترحال إلى بلاد العلوج والثلوج .. فعلوا غير آسفين.
غير آسفين على فراق "المجتهد المطلق"، الذي أربى على النعمان، والشافعي، وابن حزم .... ذلك أن أولئك المذكورين استفرغوا الوسع في استنباط الأحكام الشرعية، أما من ابتلينا به فقد استفرغ الوسع في استنباط الأموال من جيوب الكادحين، بأفانين من الحيل، وبأشكال مما يسميه أصحاب البيان "معاريض" ونسميه نحن .. "كذبا".
والذي دفعني إلى الموازنة بين "النسور" وأولئك الجلّة، أن صاحبنا يتنفّج بالدّيانة، وامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، فناسب أن نقايس بين "المجتهد المطلق"، وأولئك الماضين الذين بت لا تجدهم إلا في كتاب أو تحت تراب!!
لست أشكّ أن "صاحب الرياسة" أحال البلاد إلى ملاعب للجان، ومعازف للغيلان، حتى صار عبادُ الله حيارى بين بلاقع وأطلال، ونفوس مجدبة مقفرة، تتخلج تخلج المجنون في الأرض الوَحِلة.
لقد بات أمرا نُكرا أن يهبّ المرء لعون امرأة جعلت تستصرخ وابنها المارّة؛ لأن ثمة مجرما جرّدها من "سيارتها" في سوق شعبيّ، في العاصمة عمّان، وقت الظهيرة .. ولامجيب!!
لقد غدا أمرا إدّا تزاور الناس، وتواصلهم، لأن الزّورة تتطلب مالا مسكوكا، مصادقا عليه من محافظ البنك المركزيّ .. ولا مال!!
لقد أضحى عجبا من العجب، أن تقع عيناك على هيكل محشو في ثياب، يصدق عليه لفظ .. "إنسان"!!