المشهد المصري مضطرب ويذهب في المنحدر، والسلطة الانقلابية تبدو ممعنة في الدفع بهذا الاتجاه، فالذي يعنيها بالأساس بقاؤها في السلطة، بأي ثوب كان إلا ثوب الثورة الشعبية الحقيقي، فهذا هو المحذور الذي يجب أن تتكاتف جهود كل الغرماء على وأدها، والانتهاء منها!!
المشهد العربي في ربيعه أسفر وبشكل صارخ عن حقيقة مُرّة مفادها: أنّ كلّ ما في النظم مِن هياكل إدرارية وسياسية وعسكرية وقضائية وإعلامية عليا – كلها تشكل دائرة انتفاع، وتبادل فائدة، وكلها مرتبطة بالمشروع المسيطر على إقطاع العروبة في الشرق الأوسط، مشرع الغرب الصهيوأمريكي بشكل محدد.!!
عسكر بشار والقذافي ومبارك ومن قبلها الجزائر - كلها على المحك الوطني - ظهر زيفها جليّا واضحا، لأنها - مجتمعة - لما جاءت إرادت شعوبها معاكسة لبرنامج أعدائها في المنطقة، انحازت لبرنامج الإعداء، واجتهدت في تعطيل واجتثاث مشروع الشعوب الوطني يبذريعة المؤامرة، لدرجة مغرقة في الخسّة والنذالة!!
وباعتبار هذه الجيوش عيّنة معبرة لدراسة الظاهرة، فإننا نستطيع الحكم وباطمئنان على الجيوش المتبقية، والتي ظل فعلها الحقيقي كامنا إلى الآن، لا يختلف كثيرا؛ لأن ظروف ظهوره مرتبطة شرطيا بتحرُّك شعوبها، والتي لم تتحرك بعدُ، وبشكل مؤثر إلى هذه اللحظة!!
الحِسّ الشعبي العام على مستوى الأمة حين يتمّ قراءتُه على سجيّته، وبعيدا عن المؤثرات والفلسفات، لا يمكن أن يخطئ الصواب، خاصة فيما يتعلق بطبيعة صراعه التاريخية، مع الغرب وريث الصليبية، والشرق مرتع الإلحاد، فهذا الحسُّ مُحصّن بعمق الوعي التاريخي، وتواتر النصوص، التي تشكل عقيدة راسخة في وجدان الأمة الجمعي!!
لكن المشروع المقابل كان مستعدا لخلق بؤر النَّخر في جسد الأمة، وكان حريصا دوما على الإمساك بالمقاليد في المنطقة من جهة الرأس، الذي وضعه مبكرا تحت إبطه، من سايكس بيكو الأولى إلى اليوم ، ليتمكن من خلاله من السيطرة على الأعضاء(الشعوب ) وشلّ إرادتها!!
بين عامي 1979م- 1981م، ظن الغرب(الصهيوني) وأذنابه، أنه تمّ ترويض الأعضاء(الشعوب) وتهيئتا، وهي مستسلمة للأمر الواقع، ومستعدة للقبول برفع الرايات البيضاء، فقام بطل الحرب والسلام (السادات) بزيارته اللعينة إلى الكنيست الصهيوني، ثم لحقه كل الذين لعنوه بعد ذلك، وقد لخصّ لنا الحكاية الشاعر أحمد مطر في قصيدته المشهورة:
" الثور فر من حظيرة البقر، فثارت العجول في الحظيرة... إلى قوله.. لكن بعد عام وقعت حادثة مثيرة؛ لم يرجع الثور ولكن ذهبت وراءه الحظيرة"!!
هذا ما لخصه الأمير حسن حينها، تعليقا على مؤتمر مدريد، بعد أن حطّم الأعرابُ العراق، حين قال: " لقد جُلبنا إلى مدريد جلبا" والجلب يكون للقطيع لا للأنداد، ونحن هنا نخالفه، لأنه يريد أن يوهمنا بأن النظم كانت ضحية لهذه العملية، ولأن هذه الحالة كانت عن تواطؤ ممتدّ واختيار لا عن إكراه، وهي نتيجة طبيعية لكل الذين رضوا لرؤوسهم أن تبقى تحت الإبط إيّاه كل هذه المدة!!!
مؤسساتنا العليا في الأمة كلها مختطفة، وكلها لها أجندة واحدة، هي أجندة العم أو(الأنكل سام) وشركاؤه، وطبقة الضباط والسياسيين العليا مجهّزة لهذه الغاية، وهي دائما طبقة محظورة إلا على فئات يتم اختيارها بعناية، وحتى شركاؤهم من نفس الرتب يظلون في عُزلة عن حقيقة ما يجري، ويتم استيعابهم بسلسلة امتيازات تضمن رضاهم وتسخيرهم، لأهداف الدائرة العليا والأسياد الذين يديرونها!!
ويكفينا بالإضافة إلى ما ذكرناه مِن مؤشرات تؤكد هذا، أن الكيماوي في دولة بشار ظلّ قِطًّا أليفا ووديعا ما دام تحت سيادة الجيش الطائفي (حماة الديار)، لسنوات زادت عن الأربعين، لكن لما زادت احتمالات خروجه من يده ليقع في يد الشعوب، انتفض الغرب كله لهذا الحدث في ساعات، وعلى هذا يمكنك قياس ما يجري في دولة المالكي وبرويز مشرف وبو تفليقة، وطابور الطراطير التي ألفت رائحة الإبط الحنون!!
الحقيقة أن أزمة الأمة كبيرة، وأبعادها متشعّبة تبدأ من هناك، من الرأس، لكن موجة الربيع عميقة أيضا، ولن يتمكن أحد من كسرها، وإلغاء إرادتها، وهي تتشكل وبعمق للمتابع والقارئ والمهتم، وأثرها في نفوس الشباب الصغار، وحتى الأطفال عميق وعميق جدا!!
الأمة سائرة في طريق النهوض، لكن الكلفة - من خلال المشاهدة - لابد أن تكون عالية؛ لأن هذه الطبقة المسيطرة الضالعة في مصادمة إرادة الشعوب مزمنه، ولا يمكن التعايش معها، ولا بد من عملية فرك شديدة مؤلمة ومُكلفة، كي تتخلص الأمة من تبعتها وتتعافي من خرابها، وترسم مستقبلها الجديد!!
A_dooory@yahoo.com
27/1/2014م