مِنَ المَعلومِ المفهومِ ،والمحسوسِ الملموسِ ،أنَّ الشياطِينَ ينقسِمونَ إلى قِسمين :شياطينُ إنسٍ وشياطينُ جنٍّ قالَ اللهُ تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا * وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (الأنعام112-113)
وعنْ أبي ذرٍ – رَضِيَ اللهُ عنْهُ – قالَ :قالَ رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - :(يا أبا ذرٍ هلْ تعوذونَ مِنْ شياطِين الإنسِ والجنِّ قلتُ :يا رسولَ اللهِ وهلْ للإنسِ مِنْ شياطِين ؟قالَ :نعمْ همْ شرٌ مِنْ شياطينِ الجنِّ)
قالَ مالكُ بنُ دينارٍ – رَحِمَهُ اللهُ - :(إنّ شياطينَ االإنسِ أشدُّ عليَّ مِن شياطِين الجنِّ وذلكَ أنِّي إنْ تعوَّذتُ باللهِ ذهبَ عنِّي شيطانُ الجنِّ ،وشيطانُ الإنسِ يجيئُني فيَجُرُّنِي إلى المعاصِي عيانًا).
فشياطِينُ الإنسِ قدْ تأصَّلَ الشرُّ في نقوسِهم ،وتشرَّبتْ بالباطلِ ،واستمرأتْ الفسادَ ،وأسلمتْ للشيطانِ القيادَ ،فأبعدَها عنْ كلِّ خيرٍ ،بلْ لقدْ وصلَ بهم الحالُ ،أنْ يكونوا أسبقَ مِنْ الشيطانِ في الشرِّ ،والإفسادِ وصدق القائل :
وجوهُكمْ أقنِعَةٌ بالِغَةُ المُرونَةِ
طِلاؤهَا حَصَافةٌ، وقَعْرِهَا رُعُونَةٌ
صَفَّقَ إبليسُ لهَا مُندَهِشًا، وباعَكُمْ فُنُونَه
.وقالَ : " إنِّي راحلً، مَا عادَ لِي دورٌ هنَا، دَورِي أنا أنتمْ سَتلعَبُونَهُ
ونظرةً منك لِمَا يَعرِضُه الإعلامُ المِصريُّ هذهِ اللأيامِ ،في الفضائياتِ والصحافةِ ،مِنْ فضائحَ يندى لهُ الجبينُ ،يتبينُ للمراقب ،أننا نعيش واقعا أليما ،مما نرى ونسمع من أولئك الموتورين الأقزام ،من المتردية والنطيحة والموقوذة ،الذين يتطاولون برقابهم القصيرة وقاماتهم القميئة ورؤسهم الفارغة على القمم الشماء.
لا تأسَفَنَّ علَى غدرِ الزمانِ لَطالَما رَقصَتْ علَى جُثَثِ الأسودِ كلابُ
لا تحسبنَّ بِرقصِها تعلُو علَى أسيادِها فالأُسْــدُ أُسْدٌ والكلابُ كلابُ
تبقَى الأســـودُ مخيفةٌ فـي أَسرِهـا حتّى وإنْ نَبَـحَتْ عليْها كلابُ
إعلاميون ولِدوا في مصرَ ،عاشوا على أرضِها وأكلوا مِنْ خيرِها ،إنَّهم مِنْ جِلدتِنا ويتكلمونَ بألسِنتِنا ،ولكنْ عقولُهم وقلوبُهم أدمنتْ الحياةَ بينَ نتنِ الجِيَفِ وعفنِ الأقذارِ ونمتٍ أعوادُهم مائلةٍ إليهِ ؛ففقدَت الإحساسَ بالنتنِ والعفنِ ،إنَّهم خطرٌ على مصرَ والأمةِ ،لأنَّهم كفارُ بالعروبةِ والإسلامِ ،أعوانٌ للأعداءِ أتباعِ الدّجال.
وظيفتُهم أنْ يُثرثِروا في الصحفِ والفضائياتِ والمجالسِ ،وأنْ يختلِقوا الأكاذيب لِيُسقِطوا مِن بناءِ الأمة اشرف لبنةٍ وهي الصدق ،ولِيَذْهَبوا بجزءٍ مِن مهابتِهِ في النفوسِ.
إنَّ هذهِ العصابةَ العاهرةَ ،مِن حملةِ الأقلامِ الملوَّثةِ ،والأبواقِ الناعِقةِ في الفضائياتِ ،مِمَّن تُمارِسُ الدعارَة الإعلاميَّةَ ،أخطرُ على مستقبلِ مصرَ والأمةِ مِن الأعداءِ السافِرين ،فإنَّ النفاقَ والكذِبَ والتضليلَ الذي برعُوا فيهِ يخدعُ الآغرارَ بالأخذِ عنْهم .
لقدْ خُيِّلَ إلى هذهِ العصابةِ الواهِمةِ ،أنْ آنَ الأوانُ للتخلّصِ مِن الإسلاميين حملةِ الفضيلةِ ،إمَّا عَنْ فسادٍ في عقولٍهم أو فسادٍ في ضمائِرِهم ،ولكنْ أقولُ لهمْ :خسِئتمْ وخابَ فألُكم ،فالحقُّ أبلجُ والباطِلُ لجْلَجُ.
إنَّ سفكَ دمِ الواحدِ جريمةٌ تهتزُ لها الأرضُ والسماءُ ،فكيفَ بالآلافِ الذين أُزهِقتْ أرواحُهم وأُهرِقَتْ دِماؤهم وأحرِقتْ جُثثُهم بدمٍ باردٍ ؛ثمّ يقومُ الإعلامُ الداعرُ بعدَ ذلك بالترويج والتسويغِ لهذهِ الجرائمِ ،غيرِ مبالٍ ببشاعةِ الجُرْمِ إرضاءً للبيادةِ؟!
إنَّ اللهَ برئٌ مِن هؤلاءِ الجزَّارِين ومَنْ شاركَهم ولو بشطرِ كلمةٍ ،وأنَّ لعنتَه الكُبرَى لتتبعهم إلى يومِ الدينِ .
لقدْ ابتليتْ مصرُ والبلادُ العربيَّةُ بأمثالِ هؤلاء ،مِمَّنْ استهوتهُم الأمجادُ وأغراهم السلطانُ المطلقُ ،فأداروا رَحَى القتلِ والذبحِ في ميادينَ شتّى .
لقدْ تواثبَ الذئابُ مِن كلِّ ناحيةٍ في أعقابِ الانقلابِ العسكرِيِّ الدمويّ لانتهاشِ ما أمكنَ مِن جسدِ مصرَ المثخنِ ،ليدفعَ كلُّ فردٍ يأبَى الضيمَ ويكرهُ الدنيَّةَ ويُرخِصُ دمَه في سبيلِ شرفِهِ ثمنًا لموقفهِ.
آنَ الأوانُ لوضعِ حدٍّ لهذا المُنطقِ السافلِ ،لِنُجِلَي هذهِ العصابةَ مِن الإعلاميين عنْ الحياةِ العامَّةِ ،وأنْ نُنظِّفَ الجوَّ مِن أولئِك الداعِرين ،الذين فقدوا كلَّ شيءٍ إلا النقد الأعمى ،دونَ تمييزٍ بين الخبيثِ والطيِّبِ والنافعِ والضارِّ .