زاد الاردن الاخباري -
بالأمس كنت في مطار الملكة علياء أنتظر الطائرة التي ستقلني إلى دبي، وقفت أمام شاشة الطائرات المغادرة لأتفحصها، ولفت إنتباهي أن الملكية الأردنية تغادر إلى جميع العواصم العربية ومنها الرياض والقاهرة والخرطوم والكويت وتونس وغيرها، وسقطت عيناي على أسم "تل أبيب" فلم أفهم شيئا (!!).
صحيح أنني أعرف ومقهور من معاهدة السلام بين الأردن والإحتلال الغاشم، معاهدة وادي عربة التي سقطت شعبيا منذ توقيعها، وصحيح أنني أعرف أن هناك محادثات ومفاوضات من أجل إيجاد حل للدولة الفلسطينية، وأن المعاهدة فرضت تمثيلا دبلوماسيا بوجود سفارة للمحتل في بلادنا، نحاول طوال الوقت إغلاقها وترحيل سفيرها، وأن هناك مشاريع تبادل إقتصادي واهنة بين الأردن والإحتلال، بهدف (تحدي) مقاومة التطبيع العارم الذي ينتشر بقوة بين أفراد المجتمع الأردني، ولكني لم أتصور أن أجد اسم (تل أبيب) بين اسماء المدن والعواصم العربية وكأنها واحدة منها (!!).
بالطبع، أول رد فعل لي أنني نظرت حولي باحثا عن ماهية الركاب الذين يغادرون إلى تل أبيب، وصدمت أن خلفي ثمة فتاة عبرية (الشكل واللغة) تتحدث باللغة العبرية مع شخص آخر يبدو يهوديا، وتبين لي بعد لحظات الصدمة الأولى أنني أقف بين مجموعة من اليهود، يتحدث معظمهم اللغة العبرية، وبدأت أتراجع وأنا غير مصدق !!
لن أطالب الملكية بتوقف رحلاتها إلى أي مكان، ولا أريد أن يفهم كلامي على أي مستوى بأنه تهديد للمسافرين إلى تل أبيب أو تحريض على نبذهم أو مهاجمتهم، فلست أرحب (أبدا) بالعنف ضد المدنيين، وأتمنى أن يُفسر كلامي كما يرد وليس شيئا آخر، فالحقيقة دائما مُرة، وكذلك لا أعتقد أن كلامي هو الذي يحرض على عنف بل وجود (محتلين) بيننا هو الذي يحرض على العنف، خاصة وأنه لا سلام حقيقي بيننا، وما زالوا محتلين أرضنا، وما زالت دولتهم (الزائلة بإذن الله) تمارس أبشع أنواع الهمجية في التعدي على المقدسات وعلى القدس الشريف وعلى الفلسطينيين فتقتلهم وتهدم بيوتهم وتقتلع أشجارهم وتأسرهم وتهجّرهم، فمن غير المعقول أن يتواجد أي منهم بيننا، فهناك كثير من أصحاب العقل من يفكر ويميز ويعلم أن الأردن بلد سلام ومحبة وأنه لا يحتمل أي عمل تخريبي من أي نوع وأي حجم ولكن كيف نضمن أن يكون الجميع كذلك؟
الحقيقة أن وجود المحتلين بيننا، هو استفزاز خطير يجب أن يؤخذ بالحسبان، وكل من يفكر أن يزج باسم (تل أبيب) بين اسماء العواصم العربية أو يوجد للمحتلين مبرر ليكون بيننا كدلالة على عمق العلاقة أو يقوم بعمل تجاري أو إقتصادي مع المحتل فهو واهم ولا يشجع على التطبيع بل يشجع على الإستفزاز، ولا شك أن 20 عاما على معاهدة وادي عربة وعلى محاولات التطبيع مع المحتل هي أكبر دليل على أن المعاهدة لم تغير شيئا وبالتالي فهي لا تعني شيئا، خاصة وأن المحتل قد زاد في محاولاته تهديد المسجد الأقصى الغالي وتهويد مدينتنا العربية الحبيبة المقدسة وضاعف من تعنته وعنجهيته واحتلاله لأراضينا مما قطع الطريق أمام أي سلام (محتمل) بيننا.
بالأمس أيضا، وآخر ورقة قدمتها حكومة الإحتلال، للدلالة على تلك العنجهية والإسخفاف والإستهزاء، ما قاله نتنياهو اللعين، خلال جلسة لحكومة الإحتلال: أن الإتفاقية الموقعة بين الأردن والسلطة الفلسطينية والتي تضمن وصاية وحماية الأردن للقدس والمقدسات الإسلامية غير ملزمة للإحتلال، والقصد أن يقول أنه من حقهم إقتحام المسجد الأقصى في أي وقت ولا شك أنه يقصد بكل وضوح أن يمهد لإمكانية هدم المقدسات في أي لحظة ودون أن يعتد بأحد أو بأية إتفاقيات !!
على الدولة الأردنية، ومع كل محاولاتها للإمساك (بذكاء) للعصا من الوسط، أن تعيد جميع حساباتها مع الإحتلال، ليس منذ إقتحام اليهود الأخير المتكرر والإستفزازي للمسجد الأقصى أو إقتحام شارون للمسجد العام 2000 أو إحراق الجناح الشرقي للمسجد الأقصى في العام 1969 أو حرب حزيران العام 1967 ولا منذ محاولاتهم اليومية للقتل بيد ومد الأخرى للسلام الزائف منذ عام 1948، بل إعادة دراسة وتقييم حقيقية للوجود اليهودي كله على الأرض العربية في جوار الأردن وعلى أرض فلسطين الحبيبة منذ تأسيس إمارة شرق الأردن في العام 1921، ومنذ وعد بلفور الملعون ومنذ أن إجتمع قطاع الطرق الصهاينة في مغارة بازل في سويسرا العام 1897، وقرروا أن أنسب مقر لهذه العصابة هو فلسطين العربية !